ترجمة ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست عن حادث التدافع في منى
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
بقلم راشيل فيلتمان
ترجمة حمزة المزيني
ترك حادثُ تدافعٍ وقع يوم الخميس في [منى] وفاة أكثر من 700 شخص، ومئات من الجرحى، ولا تزال أعداد المتوفين تتزايد. وليس التدافع الذي حدث خلال ما يمثل قمة فترة الحج السنوي إلا الحادث الأخير في سلسة مألوفة من مثل هذه الحوادث ـــ وإن كانت [هذه الحادثة من] أكثرها في عدد المتوفين في الخمس والعشرين الماضية.
ومن الصعب أن نتخيل كيف يمكن أن يتحول جمع إلى أن يكون على هذه الدرجة من الحالات القاتلة ـــ خاصة إن كان القصد منه أن يكون جمعا سلميا. لكن هذه الظاهرة مألوفة جدا حتى إن [تكرار حدوثها] ليدعو إلى استشارة الخبراء بالتحكم في الحشود من أجل المناسبات الأعلى ازدحاما [تشير الكاتبة هنا إلى رابط لمقال في الصحيفة نفسها عن الاستعدادات لزيارة البابا إلى أمريكا ومنها التحوُّط من وقوع حالات تدافع في التجمعات التي سيشارك فيها].
ومع أن أكثر الباحثين يركزون على كيفية منع هذه الكوارث التي تسمى بالتدافع عن طريق الحيلولة دون حدوث ازدحام في أماكن التجمعات إلا أنه لم يُنجز إلا قدر قليل من البحث [العلمي] عن الكيفية التي يبدأ بها التدافع ــــــــــ أو السبب وراء بدايته.
يقول أحد الناجين من التدافع في [منى] إن الناس كانوا يتساقطون كما تتساقط “أحجار الضامنة” قبل أن يُداسوا ويختنقوا.
وكثيرا ما أدت أحداث التدافع القاتلة إلى تعكير أجواء المناسبات السياسية والاحتفالات الموسيقية والمباريات الرياضية والمناسبات الدينية في العالم أجمع.
فقد توفي مائة شخص تقريبا سنة 1989م في مدينة شيفيلد البريطانية، في واحدة من أسوأ الكوارث في تاريخ كرة القدم، حين دُفَع الحشد ليدخل إلى ملعب هيلزبورو لحضور إحدى المباريات.
وفي سنة 2005م لقي أكثر من 960 شخصا حتفهم نتيجة لتدافع على جسر [الأئمة] فوق نهر دجلة في بغداد حين انتشرت شائعات عن وشوك هجوم انتحاري بقنبلة مما تسبب في ذعر زوار أحد الأضرحة هناك. وكانت تلك الحادثة، وقتها، أعظمَ كارثة من حيث عدد المتوفين تقع في يوم واحد [في العراق] منذ الغزو الامريكية قبل سنتين.
وفي سنة 2010م خلَّف احتفال بإحدى الإجازات في العاصمة الكمبودية فنوم بنه 353 ضحية في الأقل نتيجة لدعسهم حتى الموت بعد أن بدأ جسر معلق في التحرك مما جعل آلاف المحتفِلين يحاولون الفرار.
وفي تلك السنة نفسها أظهر استقصاء لما كُتب [من تقارير] عن أحداث التدافع أنه على الرغم من الجهود التي تُبذل لمنع تلك الكوارث إلا أنها آخذة في التزايد. ومما لاحظه الباحثون أنه لا يعرف إلا القليل جدا عن المسببات الحقيقية لهذه الكوارث. كما لاحظوا أن أوائل المباشرين لتلك الحوادث يجعلون همهم الأول، وهو تركيز صحيح، العثورَ على الجرحى ومعالجتهم، لا تدوين ملحوظات تفصيلية عن التدافع نفسه.
ومما قاله أستاذ طب الطوارئ المشارك في جامعة جون هوبكنز الدكتور إيدبرت هسو، في تصريح نشر حين ذاك [سنة 2010]: “إنه يجب على منظمات الصحة العالمية أن تعترف بأن هذا نوع مهم من الكوارث. وإذا ما جعلوا من تقاليدهم أن يبعثوا أحدا بسرعة لكارثة من كوارث التدافع من أجل أن يرى ما حدث فربما نحصل على تقارير تفصيلية يمكن أن نستخدمها للمقارنة والتقابل. إننا لن نتمكن من فهم الكارثة التي نتعامل معها فهما حقيقيا من غير تلك التقارير “.
ويقول [البروفيسور] ج. كيث ستل، المتخصص في دراسات أمن الحشود ومخاطرها، في رسالة إليكترونية لصحيفتنا، إن حالات “التدافع” البشري الفعلية قلَّما تلاحظ. والحوادث التي يشير إليها الناس على أنها حالات تدافعٍ مختلفةٌ إلى حد بعيد عن حالات التدافع الحيواني المشابهة لها، ويمكن أن يشار إليها بشكل أكثر دقة على أنها حالات من “سقوط الحشود ودهسها”.
ويقول ستل: إنه يبدو أن ما “يبدو أنه سقوطُ حشود ودهسُها ينشأ عن طريقتين من الحركة في مكان مغلق”. وهذا [نوع من] التضاغط ــ لا التدافع. وحالات سقوط الحشود وتداهسها [أي أن يدهس بعضهم بعضا] بسيطة من حيث العملية الميكانيكية، مع الأسف: فإذا ما دُفع الناس دفعا شديدا بعضهم ضد بعض (أي 7 أشخاص في فضاء مساحته [ثلاثة أمتار مربعة تقريبا] كما تقول إحدى الدراسات) فمن الضروري إلى أقصى أحد أن يستمر الذين في مقدمة الحشد في التحرك بسرعة تماثل السرعة التي يتحرك بها الذين يسيرون وراءهم. أما إذا لم يحدث ذلك فسوف يتحرك الذين في الخلف إلى الأمام ــ حين لا يستطيعون رؤية مقدمة الحشد ـــ بحثا عن مزيد من الفراغ المكاني، مفترضين أن الذين أمامهم سوف يستمرون في إفساح الطريق لهم. فإذا صار الفراغ أقل تناسبا لسبب ما ـــــ إما لأن شيئا ما اعترض المجموعة التي في المقدمة، أو لانتشار إشاعة بين الذين في الخلف عن تعرض الناس للسقوط والدهس، وهو ما يجعل الحشد يزيد من سرعته ــ وهو ما يؤدي إلى [عَصْر] الذين في المقدمة، فسوف ينشأ عن ذلك إنتاج قوة تكفي لسقوط االناس ودهسهم في المكان الذي يقفون فيه.
ويقول ستل إن “الصورة التي أَستخدمها لتصوير هذا الحدث في أثناء تدريسي [لهذه الظاهرة] هي دفع بيضة في [مؤخرة] دجاجة” [لصعوبتها واستحالتها].
وأكثر الاحتمال أن تبدأ أكثر حالات السقوط والدهس القاتلة بحالة وفاة واحدة أو بعدد قليل من الوفيات التي تنشأ عن القوة الهائلة للجماعة المتلاحمة، وهو ما يتسبب في ذعر جماعي. وربما لا تنشأ حالات الاندفاع عن تحرك قوي واع إلى الأمام. بل يجادل الخبراء أن إلقاء اللوم على سلوك “الحشد” خطأ، إذ يمكن أن تنشأ أكثر حالات السقوط والدهس عن محدودية المكان الذي يقفون فيه. بل حتى حالات السقوط والدهس أو التدافع التي تحدث في حالات الكوارث الصاخبة كالمباريات الرياضية ومناسبات البيع المخفَّض أو الاحتفالات الموسيقية ربما تعود إلى الإجهاد البدني بدلا من كونها نتيجة لأي سلوك بشري محدد.
ويقول ستل الذي درس في السابق حركات معينة من حركة الحشود خلال الحج من أجل تقديم بعض الاستشارات الخاصة بالتحكم في الحشود إن من الصعب تحديد ما حدث للحشد في يوم الخميس [الذي وقع فيه التدافع في منى] بصورة دقيقة. لكنه يظن أنه لابد أن قدرا هائلا من الذعر قد حدث.
ويفسِّر ذلك قائلا: “يبدو كأن هذا الحادث كان نتيجة للتضاغط بين تيارين متقابلين [يسيران] بسرعة تجاوزت قدرة النظام الآمنة [على استيعابه]. وحالما يحدث ذلك فسيكون الوقت متأخرا حينها لإيقاف الحادث عن التصاعد.
وحين يُصاب الناس بالذعر يزداد الأمر سوءا. ذلك أننا [بوصفنا بشر] ضحايا لنظامنا الأحيائي [البيولوجي] حين نكون داخل حشد متضاغط بقوة. لذلك لن تكون الاستجابة المعهودة المتمثلة بمبدأ “إما أن تقاتل أو تهرب”، حين يندفع الإدرينالين، عاملا مساعدا أبدا. ذلك أنه إذا استطاع المتضاغطون الذين يتصارعون للبحث عن متسع من المكان تهدئة أنفسهم والعودة إلى وعيهم، فلن تحدث حالات السقوط والدهس هذه. لكن أكثر الناس سيكونون عبيدا لتسارع ضربات القلب والشعور بالحاجة الفائقة للتنفس حين يواجهون الموت ــ وعندها تحدث الرغبة الجامحة في الهرب إلى مكان آمن مهما كلف الثمن.
ولمنع السقوط والدهس من النوع الذي حدث [في منى]، يعمل ستل وباحثون مثله على التنبؤ بالحركة التي ربما يرغب الحشد أن يقوم بها. فهو يقول لصحيفتنا في مقابلة سابقة عن التحكم بالحشود: “إن [فهْم] ذلك كله يكمن في الرياضيات والتنظيم وعلم النفس”. فيحتاج القائمون على تنظيم الحشود، حين يشارك الناس في مناسبة دينية، إلى أن يضعوا و يتنبهوا إلى سرعة هؤلاء الأفراد والاتجاه الذي يحتمل أن يتخذوه، تبعا للهدف من ذلك التجمع. فإذا لم تستطع أن تجتهد على تيسير [تلك السرعة والاتجاه] فسوف تنتهي إلى إثارة أنواع من السلوك المؤدية إلى الإحباط”. ويمكن أن تؤدي تلك الأنواع من السلوك المحبَط إلى موجات من الرعب الذي يصيب الجمع المتضاغط بقوة.
وقد صار من الممكن جدا في العالم المعاصر لحشود هائلة أن تتجمع. إذ يمكن أن يطير الناس إلى أي مكان في العالم للاشتراك في مناسبة دينية أو اختطاف نظرة إلى أحد القادة. وستظل حالات سقوط الحشود ودهسها احتمالا مرعبا في أي واحد من مثل هذه التجمعات.