خالد السيف:تفجيرٌ يتلوه التفجير و«العلماء» نائمون في عسل التخدير..!

ما مات العلماء إذ هم أحياءٌ يرفلون في النعيم من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها الباذخ.. بينما: «العلمُ» قد قُبض حين تنحّوا عن صريح: «القول» إبانةً -لا غبش فيها- عن مَصدر الفتنة وما تُسقى به جذور شأفة شجرتها الضاربة في عمق أرضنا.. وقبض العلم أيضاً: حين تنحّوا ثانيةً عمّا يجبُ أن يُقال بوضوحٍ لا بغمغمةٍ تشتغل فيها البيانات على نحوٍ من معانٍ مجملةٍ تشدّ أسرها على عموماتٍ من كلامٍ غارقٍ في إنشائياتٍ رخوةٍ لا يُمكن لها أن تدرأ عنّا فِتَناً قبل وقوعها ولا أن تنأى بنا عن غلوٍّ قد ارتفعت راياته المعقودة على نواصي خيولٍ قد هيأناها للسبقِ غير أنّنا لم نقوَ على ترويضها…!!
لقد رضي: «العلماءُ» أن يكونوا مع الخوالف فأعجبتهم: «المغانم» فاستكانوا للصمت وآثروا سلامةً يُطيلون معها أمد قعودهم على كراسيّ التوظيف تارةً، وحيناً آخر وجدوا في إيثار سلامة الصمت ما يُبلّغهم رضا الناس وغاية اكتظاظ «الجماهير» من حولهم؛ فما لبثوا أن أبانوا عن ضعف دورهم والتقصير تالياً في أداء رسالتهم وكان هذا الضعف مؤذناً بشرورٍ يأتي في مقدمتها شيوع الجهل وظهور ابتداعٍ لمنهجيّة انحرافٍ تتخذ لها من: «النصوص الشرعية» وفق تأويلاتها الفاسدة سبيلاً لشرعنة: (غلوِّها)! وإلى شيءٍ من ذلك يُشير الشاطبي بقوله: «أما قلة العلم وظهور الجهل فسبب التفقه للدنيا وهذا إخبار بمقدمة أنتجتها الفتيا بغير علم…. إلى أن يقول: فيضطرون إلى الخروج إلى من انتصب لهم منصب الهداية وهو الذي يسمونه عالماً فلا بد أن يحملهم على رأيه في الدين لأن الفرض أنه جاهل فيضلهم عن الصراط المستقيم كما أنه ضال عنه وهذا عين الابتداع لأنه التشريع بغير أصل من كتاب ولا سنة»!
إلى ذلك، يُمكن القول جزماً بأنّ غياب: «العلماء» لا بالموت إذ يتخطّفهم واحداً تلو الآخر وإنما بالصمت – والغمغمة – الذي بات عنواناً يُمكن أن يصدق على كثيرٍ منهم! وبسبب من هذا الغياب الفاحش كان ولا بدّ من أن يتصدّر غير الأكفاء وفي الحديث الصحيح: «حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلّوا وأضلّوا».
وإذن.. فإنّ حملة العلم: «الشرعي» اليوم لم يذهبوا بعد وإنما كان لذهابهم معنىً آخر وهو ما ألمحت إليه قبلاً حيث الصمت المطبق وحيث سوق المجملات والقول بالظنة التي لا تُغني من الحقِّ شيئاً… وحيث التبرئة المطلقة لكلّ ما ورثناه عمن سلف بإجمال وبقبول مطلق.. وحيث التزكية المباركة للتاريخ.. ولعل هذا من أبرز الأسباب التي جعلت لـ: «داعش» بجُهَّال متعالميه الطريق سالكاً نحو استغفال: «أبنائنا» واسترقاقهم عبيداً في محرقة: «البغدادي»! وهاهم -أبناؤنا- يُهاجرون إليه طوعاً وما ثَمّ إلا هوى يتّبعونه ثم يطلبون له المخرج من كلام: «العلماء» وبما كان من كلام: «المتقدمين» الذي لربما أنّ صدروه حينها كان لأسبابٍ يتعذر أن تنزل على: «عصرنا»! غير أنّه الفقه الذي يدير رحاه عليه من استعجل طلباً للمخرج في دعواه.. وليس هو من شأن الراسخين في العلم.
على أي حال.. يسفك «الداعشيون» وأشياعهم الدماء ويعيثون في الأرض الفساد إذ تطول جرائمهم: «المساجد» ويزرعون فينا الخوف بترصدهم: «رجال الأمن» ويسلكون في ذلك سُبلاً طاغوتيّةً من تأولٍ فاسد الاعتبار لـ: «النصوص الشرعية» بحيث يتوسّلون بها إلى استحلال ما يفعلون.. ولقد جعلوا من: «الجنة» لهم مقصداً ومن: «الشهادة» وسيلةً ومن «الجهاد» ذروة سنامٍ لإسلام قد صنعوه على أعين غُلاتهم..
هم إذن نابتةٌ «عصريّة» من خوارج حرورية قد انبعثوا من بين ظهرانينا وفي وضح النهار وما هبطوا علينا من المريخ غير أنّ: «العلماء» مازالوا في غيّ صمتهم سادرين مع أنّ الله تعالى قد أخذ عليهم الميثاق: «لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ».
ولنا أن نسأل العموم من: «العلماء» أين هي شفقتكم على الخلق ورحمتكم بهم؟ وحفظكم لبيضة الوطن؟ وأين هو خوفكم من إثم الكتمان؟.
وخلاصة ما يمكن قوله: إنه حين يسكت العلماء عن بعض مصادر: «داعش» أو عن طرائق استدلالهم سيظنّ العامةُ من الناس أن ما يفعله داعش هو: «جهاد» وحقّ لا باطل فيه.. وهو حربٌ مشروعة للنيل من الصليبية.. وهو نكاية في: «الليبراليين» تُشفى به صدور المؤمنين.. وهو في الأخير ليس إلا ديناً وشرعاً نهضت به: «داعش» بالنيابة عن الأمة لما أن ضعفت الأمة وخارت.
ولن تتم إزالة بل قلع هذه المفاهيم الباطلة من عقول الناس إلا بالصريح من قول العلماء؛ ذلك أنّ زمن الوضوح هو سيد الموقف إذ به تبرأ الذمة.

خالد السيف
(نقلا عن الشرق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *