سعود الفيصل .. المعلم و المدرسة

إذا كانت المملكة – كدولة وشعب– قد فُجعت برحيل صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل رجل الدبلوماسية السعودية الأول وواجهتها البراقة أمام العالم الخارجي ، فإن هذه الفجيعة مضاعفة بالنسبة للإعلاميين و الصحفيين الذين شرفتهم المقادير بالتعامل المباشر معه على امتداد سنوات طويلة ، كان فيهاودودا رقيقا ، كريما نبيلاً ، عارفاً بقدر الكلمة وأصحابها ، واعيا بالدور الذي يقوم به أصحاب الكلمة في خدمة الوطن و تحقيق مصالحه في الداخل والخارج على حد سواء .
وبقدر ما كان – رحمه الله- مدرسة في الدبلوماسية وفي التعامل الجاد الناجز مع مختلف القضايا السياسية التي تعامل معها في فترة وجوده البهية على رأس وزارة الخارجية ، اتسم تعامله مع الصحفيين السعوديين ، كما الأجانب ، بالتقدير القائم على قناعة راسخة بأهمية ما يقوم به أصحاب الأقلام و الكاميرات من أجل نقل الحقائق للقراء في كل مكان . من منا لا يذكر وقفته الهادئة في مئات المواقف العصيبة التي مرت بها المنطقة ؟. من منا لا يذكر اجاباته الوجيزة القاطعة على ملايين الأسئلة الهادرة التي ألقيت عليه على هوامش الاجتماعات و اللقاءات التي كان له فيها أدوار البطولة على امتداد نحو أربعة عقود ؟، ثم : من منا لا يذكر ابتسامته الشهيرة التي كان ينهي بها مؤتمراته الصحفية ، وكذا نظراته الواثقة التي كان يقضي بها على أي قلق ينتاب السعوديين في لحظات الشدة السياسية التي عاصرها .
الأهم من ذلك ، من منا يستطيع أن ينسى قدراته الفائقة في إدارة السياسة الخارجية للمملكة ، مستندا في ذلك إلي ثوابت راسخة لم يحد – رحمه الله – عنها في أحلك اللحظات ؟ . كان – رحمه الله – أكثر من تحمل عبء الدفاع عن الإسلام و المسلمين في مواجهة أشكال التطرف باسم الدين أو في معاداته ، كما كان – رحمه الله – صاحب الصوت الأعلى في التصدي لأكاذيب أعداء الأمة داخل جل الملتقيات الدولية التي حضرها ، وهو – قبل ذلك وبعده – رجل الحلول الناجحة في العديد من الساحات العربية و الإسلامية التي دُعيت المملكة للتدخل فيها بوصفها قلب الأمة وضميرها .
مؤكد أن غياب الأمير سعود الفيصل سيترك فراغا سياسيا ودبلوماسيا يُصعب تعويضه ، لكن عزاءنا أنه خلف وراءه مدرسة سياسية تمدنا بالطاقات و الكفاءات القادرة على المضي للأمام بسلاسة و فاعلية .. رحم الله الأمير سعود الفيصل ، و جزاه عن شعبه و أمته خير الجزاء .

طارق إبراهيم
نقلا عن (الوطن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *