أخطاؤنا في حق ابن عبدالوهاب

قضيت الثلث الأول من هذا الشهر الكريم غارقا في عشرات بل مئات من أدبيات الأبحاث والمقالات التي كتبت حول الإمام المجدد، محمد بن عبدالوهاب، يرحمه الله، هناك أمواج من الأوراق التي كتبت عنه باللغة الإنجليزية، وشكرا لمحركات البحث الإلكتروني التي جمعت ما استطعت أن أقرأه عنه في شاشة واحدة. أول ما خرجت به من الاستنتاجات المثيرة ليس بأكثر من أخطائنا نحن مع مشوار هذا المجدد الإصلاحي. وخذ بالمثال أن محرك البحث الإلكتروني سيأخذك إلى أكثر من 300 ألف تكرار لمجرد أن تكتب الكلمات الأربع في عنوان البحث: (دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب). متلازمة كلمتي “دعوة+ ابن عبدالوهاب” حتما ستعطي الانطباع النمطي الخاطئ أن فضيلة الشيخ كان صاحب “دعوة” منفصلة عن الإرث والموروث بينما الحقيقة أنه كان إصلاحيا مجددا للدعوة المحمدية.

كان مجتهدا لا مبتدعا، ولهذا أظن أن كلمة مثل “دعوة” قد تصلح مع اسم صغير مغمور ولكنها مع ابن عبدالوهاب تعطي الإيحاء التلقائي أن ابن عبدالوهاب كان شيخ طريقة وعماد مذهب جديد مختلف، وهذا يتنافى مع الإرث التاريخي الذي تركه لنا فضيلة الشيخ. هذا التكرار الهائل لمفردتي “الدعوة والشيخ” لا بد أن نخضعه لنظرية تحليل الخطاب التي تقول باستقلال المصطلح منهجا ورؤية عندما يحدث لهما التكرار المخيف الهائل. ولعل أول أخطائنا الكبرى مع فضيلة الشيخ ابن عبدالوهاب هو تكريسنا العميق لهذه المتلازمة ما بين المفردتين ولعله لهذا لن نلوم دوائر الاستقبال في الغرب والشرق على إنتاجها الخاطئ لمفردة “الوهابية”. هي تتحدث عنه لا كإمام إصلاحي مجدد بقدر ما تتحدث عنه كصانع مذهب، ولعله يفوق في تكراره اللغوي “الدعوة والشيخ” أضعاف ما قيل عن بعض أئمة المذاهب الأربعة.

مفردة مثل (wahhabism) ابتدأت بعنوان بحثي في قسم الأديان بجامعة أكسفورد عام 1947. ثاني أخطائنا مع منهج الإمام المجدد أننا لم نتعامل معه كفكرة إصلاحية، بل مرة أخرى “دعوة”، ولهذا بالغنا في تحويل بساطة الفكرة لدى ابن عبدالوهاب إلى جامعات وكليات وأقسام علمية وبعثات علمية دراسية. ابن عبدالوهاب رحمه الله كان كتابا جليلا واحدا ألفه يومها لإصلاح ما رآه من الأخطاء العقدية الخطيرة في مجتمع صغير محدود ولكننا بعد ذلك حولنا كتابه الشهير إلى مكتبة هائلة، ومن ثم حولنا هذه المكتبة إلى جامعات ومعاهد، كل من جاء من بعده ومن بعد كتابه الشهير اشتغل بالإضافة والتكثيف، وأنا واثق أن ابن عبدالوهاب لن يكون في غاية الرضى على هذا الانتفاخ والتورم الذي بدلا من أن يجمعنا حوله فإذا بنا ننقسم عليه. أنا واثق أنه سيكون أول المعترضين على ترادف مفردة “الدعوة” قبل اسمه لأنه يعلم أن هناك مجرد “دعوة” محمدية.

علي سعد الموسى

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *