من يحميني من العنف الطائفي والعنصري
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
من أشهر الحروب التي شهدها العالم في الستينات من القرن الماضي، هي تلك الحرب الطائفية التي اندلعت في أوروبا واستمرت لنحو 30 عاماً، واشتركت فيها معظم القوى الأوروبية، وكان سببها الصراع الديني بين الكاثوليك والبروتستانت، وتحولت إلى صراع سياسي، كان الهدف منها الاستيلاء على دول أخرى، ومن أهم ملامح هذه الحرب الطويلة أن الجيوش استخدمت فيها المرتزقة، وتعرضت الكثير من المدن والمناطق للنهب والسرقة من هؤلاء الجيوش، وأدت هذه الحروب إلى خفض عدد السكان بنسبة 30 في المئة ومات ثلثي السكان، وعاش الناس ما بين مشردين ومهاجرين وفقد الملايين مساكنهم، وكانت سبباً في انتشار البطالة.
ومن الحروب الدينية التي أدت إلى انفصال الهند وباكستان في منتصف القرن الماضي، وهي من أشهر الحروب التي شهدها العالم وراح ضحيتها الملايين من الناس وشرد الكثيرون، والتاريخ يضم الكثير من الصراعات التي شهدها العالم نتيجة الخلافات الدينية والتفريق العنصري، كما حدث في جنوب أفريقيا ما بين البيض والسود.
اليوم، حينما ننظر من حولنا سنجد أن كل الصراعات التي تعيشها هذه الدول، هي صراعات مذهبية ودينية وطائفية، ومعها نشأت الصراعات الجانبية مثل القبلية والعنصرية، وهي أشبه – كما يصفها الأطباء – بالمثلث الخطر في الوجه الأنف والفك العلوي والمنطقة المحيطة بهما، إذ تساعد في نقل العدوى إلى داخل جسم الإنسان.
حال المنطقة الآن أشبه بالحال نفسها، فالصراع المذهبي بدأ من العراق ثم امتد إلى سورية واليمن ومناوشات كلامية في لبنان، وصراع آخر وهو بين علماء الدين ما بين مبسِّط لعلومه وآخر متشدد، في هذه الحروب تستخدم كل الأطراف ما لديها من إمكانات وقدرات، سواء أكانت مادية أم بشرية، بل حتى وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وساعدها في ذلك الدعم المادي والمعنوي الذي تجده هذه الأطراف، مستفيدة من بعض الدول التي يهمها أن تعيش المنطقة في اضطراب مستمر، وتحقق لنفسها مكاسب سياسية واقتصادية.
السعودية، ليست بمنأى عن العالم، ولا يمكن أن نطلق عليها أنها بأمان ولا تتأثر بما يحدث من حولها، فهي أرض خصبة لتقبل أي فكر، ولا أقصد هنا المتشدد والمتطرف، بل حتى الفكر الانحرافي، كسلوكيات اجتماعية من حيث التعاملات أو التصرفات التي تنتج من الأفراد. هناك عدم وعي وإدراك لخطورة ما يحدث وضرورة تجريم هذه التصرفات، فعدد الذين يتحرشون بالنساء في الأسواق وأماكن العمل، يقابلهم بالعدد نفسه من يحرض الشباب ويغسل عقولهم ويدعوهم إلى القتال في الخارج، ومثلما تقبض هيئة الأمر بالمعروف مصانع للخمور وتتلف عبوات جاهزة، في المقابل هناك العديد من المخابئ التي تكتشفها السلطات الأمنية للأسلحة والذخائر وأنواع مختلفة من المعدات، وفي كلا الموقعين تكتشف الجهات الحكومية مبالغ ونقود وأموال طائلة.
تصريحات الملك سلمان بن عبدالعزيز التي وجهها إلى ولي العهد الأمير محمد بن نايف بعد حادثة العمل الإرهابي، الذي نفذ في مسجد القديح في القطيف الجمعة الماضية، حملت رسالة واضحة للعالم، وإلى كل من يحاول أن يمس الوحدة الوطنية وسلامة الفكر، ويحاول أن يزعزع ويضل عقول شبابها، الملك سلمان شدد في رسالته على أن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون ومتعاطف مع الجريمة سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة وسينال عقابه، وهذا يعني أن الحفاظ على المكتسبات الوطنية وهم شباب هذه البلاد، من الركائز الأساسية والمهمة التي ينبغي الاهتمام بها، بما فيها الأنشطة الشبابية والبرامج الفعاليات، والنظر في القضايا التي تهمهم، والمشكلات التي يحتاج حلها والالتفات إليها، لاسيما قضية البطالة وتدني المرتبات، ووضع ضوابط تحد من انزلاق بعض المعلمين الذين يحملون أفكاراً سلبية.
حماية الشباب هي مسؤولية جماعية، والأخطاء السابقة يجب ألا تتكرر، التناقض الاجتماعي والديني خلق لدينا متلازمة الشخصيات، أثر تنموياً واجتماعياً واقتصادياً.
من القضايا التي يتوجب أن نهتم بها في المرحلة المقبلة هو القضاء على الفراغ لدى الشباب، وحمايتهم بالتوعية من مواقع التواصل الاجتماعي وحتى الشخصيات التي تروج أفكاراً هدامة، فبيان وزارة الداخلية أشار إلى عملية الدهم الأخيرة التي كشفت إلى جانب الأسلحة والأموال كتباً وفتاوى محرضة، ما يعني أن الكشف عن هذه الكتب أو مؤلفيها سيسهم في توعية المجتمع ووقايتهم. الجوانب الاجتماعية الأخرى أيضاً التي من الضروري الالتفات إليها من زوايا متعددة وهي معوقات الزواج وارتفاع المهور.
المشكلة التي تعاني منها الأسر السعودية أن أبناءها لم يعودوا تحت سيطرة أسرهم؛ أما لغياب الرقابة الأسرية أو غياب المسؤولية من الوالدين، هذا الإهمال في مراقبة الشباب وعدم وجود جهات تستوعب أفكارهم ومواهبهم أسهم في استغلال أصحاب الفكر المتشدد، يجب أن نعترف أن السعودية تعيش الآن مرحلة متطورة في مكافحة الإرهاب ومن أعلى سلطة في البلاد.
استطاعت الجهات الأمنية مواجهة القاعدة ومعاقبة من يسافر إلى الخارج من أجل المشاركة في الأعمال الإرهابية، وهي الآن تنتقل كمرحلة متطورة في مكافحة الإرهاب الطائفي والعنصري والقبلي، وكل هذا يجعل الشاب السعودي إذا ما تعامل معه بعناية فإنه سيصبح في مأمن من أي أفكار منحرفة.
حادثة مسجد القديح مهما فسرنا على أنها أيادٍ خارجية تحرك هؤلاء، إلا أنه يجب أن نعترف أنه لولا وجود مؤيدين ومشجعين لهذه الأفكار لما استطاعت هذه الأيادي أن تعبث، الحادثة ليست الأولى، وليست خبراً جديداً، فيد الغدر تمتد لتنال وحدة هذا الوطن وتريد أن تترك فيه شرخاً، العزيمة موجودة لدى القيادة بالقضاء على من يقسم المجتمع وفق رؤية عقائدية أو مذهبية أو حتى طائفية، نحتاج أن يصاحب ذلك بعض التشريعات والقوانين التي تعزز هذا المفهوم وتجعله أمراً لا يجرؤ أحد أن يقدم عليه، المجتمع بحاجة إلى تشريعات وقوانين وإصلاحات فعليه وطمأنة المجتمع أن الوطن للجميع والقانون هو الفيصل، ونسأل الله أن يرحم الموتى في حادثة مسجد القديح في القطيف، وتعازينا إلى أسرهم، ويعجل بالشفاء للمرضى، ويحمي هذه البلاد من فتنة يتربصها الأعداء.
جمال بنون
نقلا عن “الحياة”