كاتب سعودي يهاجم “الأدلجة” و يحلم بتحالف سعودي إيراني بعيداً عن “ولاية الفقيه”
الرياض ـ متابعة عناوين:
أطلق الكاتب الصحفي السعودي فهد الدغيثر العنان لمخيلته ليرسم ملامح وضع افتراضي للمنطقة حال تخلت إيران عن أدلجتها وتمكنت من تجاوز “ولاية الفقيه”، وتصالحت مع جيرانها، ونشأ بينها وبين دول الخليج تحالف.
و استهل الدغيثر مقاله الذي نشرته صحيفة الحياة اليوم، متسائلا: ماذا لو أن من يحكم إيران غير مؤدلج؟ ولا يعمل ليله ونهاره على خلق الأعداء ووضع البلاد في حال تربص قصوى في كل الأوقات؟ ماذا لو تمكن الإيرانيون من اختيار مصيرهم بأنفسهم بعيداً عن «ولاية الفقيه»؟
وأضاف: لو يصبح ذلك واقعاً على الأرض فستصبح صورة منطقتنا مغايرة تماماً، وبشكل غير مسبوق تاريخياً في المنطقة. أول ما يمكن تصوره هو قيام تحالف اقتصادي متكامل بين إيران ودول الخليج، قائم على المصالح المتبادلة. صورة عظيمة ومبهرة أليس كذلك؟
وقال الدغيثر: ما أفترضه هنا لم يأت من خيال كاتب هذه الأسطر، بل جاء في ورقة قدمها الدكتور ناصر الصعيدي في مؤتمر بنك «كريدت أغريكول» الفرنسي، وعقدت في فندق «ذا ون آند أونلي» في نخلة الجميرا في دبي مساء الأربعاء الماضي وكنت مدعواً إليها. يقول المحاضر: «إن أقرب تشبيه لتحالف محتمل بين إيران والسعودية هو تحالف ألمانيا مع فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية». جميعنا نعرف، بالطبع، ما آلت إليه أوروبا من نهضة اقتصادية كبرى عندما تصالحت هاتان الدولتان وتوقفتا عن تبادل العداء والغزوات.
ومضى يقول: دعونا نستعرض بعض الإحصاءات المرتبطة بتحالف كهذا لتتضح الصورة، وهي إحصاءات التقطتها على عجالة أثناء تقديم المحاضرة تلك. المساحة للدولتين ستزيد على ثلاثة ملايين وسبعمئة ألف كيلومتر مربع، بتضاريس وجغرافيا وطقوس غاية في التنوع، عدد السكان سيتجاوز المئة مليون نسمة بين الدولتين، ويمتاز سكان إيران بمهنية عالية في الصناعات اليدوية الفاخرة، إجمالي الناتج القومي بين البلدين سيتجاوز تريليون ومئة بليون دولار، ولو أضفنا الإمارات وبقية دول الخليج لتجاوز الرقم تريليونين. إجمالي الاحتياطات النفطية تزيد على ٢٤ في المئة مما هو موجود عالمياً، أو ما يقارب 400 بليون برميل أيضاً من دون احتساب بقية دول الخليج.
وتساءل مجددا: ما الذي سيحدث بعد التحالف؟ هناك حاجة كبيرة جداً للبناء والتنمية، وسيرافق ذلك استحداث ملايين من فرص العمل الجديدة، وسيسهم بها حتماً أبناء الخليج ممن تلقوا أكثر مناهج التعليم تطوراً، إضافة إلى نظرائهم الإيرانيين. ستقام ورش عمل تاريخية في حجمها وأدائها بكل القياسات في هذه المنطقة، ولاسيما أن إيران تخرج من مقاطعة وحصار اقتصادي مضى على تطبيقه عقود عدة. مستويات هائلة من الإنفاق ستقودها كبريات المؤسسات المالية العالمية والصناديق السيادية لتمويل مشاريع جديدة للبنى التحتية. ثم إن العالم كله سيجني ثمار هذا التحالف سواء عبر منح حقوق التصنيع في المنطقة أم عبر الاستيراد المباشر.
هنا نتحدث عن إضافة ملايين الأجهزة الذكية المحمولة وإكسسواراتها، وأساطيل جديدة من النقل الجوي والبحري ستؤسس، ومصانع متطورة للسيارات والأجهزة الكهربائية، ومحطات جديدة للطاقة، وسياحة متطورة وعالمية، ومناسبات ضخمة ستستضيفها منطقتنا ستجعل منها قبلة للعالم الجديد. عندما أقول منطقتنا فأنا أعني بذلك الخليج زائد إيران.
باختصار، نحن نتحدث عن تنمية عارمة لن تتوقف نصف قرن على الأقل. شعوب السعودية والخليج سيذهبون إلى إيران لشراء البيوت والعقارات في مصائفها الخلابة عند منطقة شواطئ بحر قزوين. الإيرانيون سيتملكون شققاً سكنية في مكة والمدينة. شركات الطيران الجديدة بأساطيلها ومن مطاراتها المتطورة ستسير عشرات الرحلات اليومية بين مدن إيران ومدننا في السعودية والخليج. تصوروا؛ أسرة سعودية من حائل تستعد لزيارة مدتها يومان في رحلة جوية مباشرة من حائل إلى أصفهان قد لا تتجاوز الساعة ونصف الساعة من دون الحاجة إلى تأشيرات دخول. تماماً كما قد تفعل هذه العائلة لو كانت تنوي السفر إلى مدينة الباحة أو دبي أو مسقط، وكما تفعل شعوب أوروبا في تنقلاتها بين دول الاتحاد.
تبادلت بعض الأسئلة مع الدكتور الصعيدي بعد محاضرته، وأجابني بكل بشاشة وأريحية. بصراحة استهواني المشهد كثيراً وذهبت محلقاً في خيال لا أروع منه. غمرني للحظات الشعور بالأمن والطمأنينة ومستقبل أفضل لأجيال الغد، ولم لا؟ تساءلت؛ كيف يمكن أن تغيب عن أذهان الساسة هناك صورة جميلة بناءة كهذه، ولاسيما أن التاريخ خير شاهد على فشل التحرشات والاعتداءات والحروب المصطنعة.
لكنني سرعان ما عدت إلى الواقع المر. إنها الآيديولوجيا البغيضة، التي لا تتيح لصاحبها امتلاك أية رؤية لما يجب أن يكون عليه الغد. من يقع تحت سيطرة هذه الآيديولوجيات لا يفكر إلا في البقاء على كرسي الحكم مهما كلفه ذلك من ثمن.
المؤدلج، إنسان فاشل عملياً، فهو لا ينتج ولا يبدع ولا يملك بين يديه أي حلول للتنمية المستدامة؛ بسبب جهله بالطبع وتدني تجربته ومحدودية اطلاعه، وهذا ينطبق على عموم المؤدلجين وليس على رموز قم في إيران فقط، المؤدلج بما فيهم «رموز» يعيشون بين ظهرانينا في المملكة، يلجأ إلى خلق الأعداء في سبيل البقاء مدافعاً أمام هذا العدو المفترض، بعضهم يخلق «المنكرات» ليبقى مدافعاً عن «الفضيلة». لذا فلا غرابة من استمرار تدخل إيران في شؤون الآخرين وهو التدخل الذي يوهم الضعفاء من سكانها بأن بلادهم في حال الدفاع عن النفس وعن الأقليات ونحو ذلك.
في جميع الأحوال، في نهاية كل نفق مظلم يخرج نور. متى نرى هذا النور في نهاية نفق إيران المظلم؟ ذلك علمه عند الله. متى يعلن الشعب الإيراني تململه من هذا السيناريو البليد المتكرر الكريه ويلعن هذا النظام؟ متى يعرف الشبان والشابات في إيران أن السياسة الصادرة من مدينة قم تلغي حياتهم وتقتل طموحاتهم وتعيدهم قروناً إلى الوراء؟ متى يعلم كل من هو معجب بإيران أن قصة معاوية وعلي والحسن والحسين ليست إلا أدوات لاستجداء العواطف والسيطرة، وإحداث الفتن يميناً وشمالاً لإضعاف الخصوم؟
أتوقع، وقد أكون مخطئاً، وقد يتفق معي الدكتور الصعيدي وهو الوزير السابق للاقتصاد والصناعة في لبنان، وقبل ذلك نائب الرئيس لمصرف لبنان العريق، والسياسي المعروف، قد يتفق معي على أن إيران، وبالنظر إلى حجم المعاناة التي تمر بها وطول الزمن تحت الحصار والمقاطعة ونشوء أجيال جديدة لا علاقة لها بالآيديولوجيا لا من قريب ولا من بعيد، ستتجه بعد حكم الملالي إلى النظام العلماني مباشرة.
قد لا يأتي ذلك من دون تضحيات جمة ودماء تسيل تتبعها محاكمة كل من تسببوا في ضياع الفرص وأعادوا البلاد إلى الجهل والضياع وانتشار المخدرات والبغاء. سيفعلون كما فعلت دول أوروبا بالضبط بعد عقود وقرون من سيطرة الكنيسة وضياع الأرواح والأنفس والممتلكات. هذه ليست إلا قراءة متواضعة للواقع وتطبيقاً بديهياً لما تعلمناه من تاريخ الحضارات والأمم. فكل شيء عندما يتجاوز حده سينقلب حتماً إلى ضده وإن طال الزمن قليلاً. عندئذ سيقبل بذلك كل الجيران من منطلق أن لا شيء سيكون أسوأ من «ولاية الفقيه» وستتجه المنطقة لتحالف يؤسس «شرقاً أوسط» جديداً من صناعة شعوبه وليس من صناعة الأجنبي.