علي القاسمي واصفاً تقاسيم (الجندي السعودي): إنه جبل من الثقة
يفترض أن يكون بطلاً لعمل روائي وليس عنواناً لمقالة عابرة وأسطر مارة، ويستحق أن يقفز عنواناً لنص نثري، وقصيدة شعرية، ويشار له في لوحة غالية الثمن، بقي ثابتاً لافتاً على مرور الوقت والزمن – وبتقلب الطقوس والأحوال ومع المفاجآت والظروف – علامة فارقة في صُوَر الوفاء والولاء والحب والحنين، ظل نجماً مضيئاً في سماء التحدي، يكفيه أنه لا يأنس إلا بالوجود في المناطق الساخنة تلك التي يقف فيها بقلب شجاع وجسد مغامر، آخر عهده بمناطق الصمود والتصدي – الآن – في الحد الجنوبي حينما ودع أعز ما يملك، وأهمل جروحه من أجل ألا يمس دين ويجْرَح وطن «هو خادم لهذا الدين»، تباهى بحضوره المشرف وفرحه لنيل أحدى الحسنيين والاكتفاء برايتين وورقتين ومستقبلين فيهما من البياض ما يكفي «النصر أو الشهادة».
علّم جبهته أن لا معنى لها إن لم تكن ميداناً لحبات العَرَق، وطمأن أهله أن طريق الجنة يُخْتَصَر بشهادة في سبيل غاية، ودرب جسده على أن النوم والكسل والجوع والعطش والخوف منزوعات بالفطرة ولا حياة وشرف ورفعة له بها، أضاف – بطموحه ورغبته المشتعلة – لطيبة هذه الأرض وناسها ورجالها فخر ورائحة مسمى «شهيد» ولذة ندائه ومن بَعْدَه بها. يضيء ببدلته الفاخرة اللافتة أمكنته التي يودع فيها الحياة الفانية إلى الأخرى الباقية تحت ظل ابتسامة لا ترتسم بشجاعة إلا على شفاهه، ولا يدرك رسمها وبراءتها ونقاءها وصفاءها إلا من يطالعها خالصة طاهرة نقية في وجهه.
ملامح وجهه قادرة على جلب الانتباه والانجذاب والإعجاب وتشرح درساً مجانياً لمعزوفة الحماسة والفراسة، وإيقاع ونغم الصبر والصمود، يتمازج بحسب مقتضى الحال بين الرحمة والقسوة وهو يعرف في قواميس اللغة مفردات هائلة، ولكنه لم يتعرف ويعرف بَعْد «مفردة الخوف» فهي تتعاكس مع جسده وروحه وطموحه.
له قصة لافتة مع الألوان فهو يلتقي البياض في نيته ومطيته وروحه وقلبه، ويلتقي الأخضر أرضاً وراية ويتفاءل بالأحمر انتصاراً وشهادة ويراه فاصلاً ولوناً أخيراً لا قبله ولا بعده لون حين يطلب ويتطلب الموقف أن يكون أو لا يكون، يَطْرَب وينتشي ويتفاعل حين يُدْعَى إلى أرض معركة فيشتم رائحة بارود، ويسمع دوي رصاص، ليصوم عن الطعام والشراب حين يشك للحظة واحدة أن اللقمة وكوب الماء تستدعيان الخمول والتراخي.
مفهوم السباق لدى الجندي محصور على الجبهة والموت فهناك ألذ مطلب، والانتصار أشهى ما يتحقق، وما بين لوازم اللذة والشهوة يكمن السباق العظيم الخفي حول من يعتلي بالشهادة ومن يرتقي بالنصر.
يكفي أن هذا الجندي مسلم سعودي تتعادل لديه كفتا الحياة والموت حين يتقرر المصير، ويدون كل يوم في صفحة المجد اسمه ورسمه وذكره، له قبلة على الرأس واحترام في القلب، وإعجاب لا يتوقف، ومعين حب لا ينضب، ففي حياته الشاقة والمخلدة بماء الذهب على حدود الجبهات، وفي تضحيته وسهره لاستقرار وطن وأمن شعب، أعظم درس وطني يستحق أن نتحدث عنه. كل جندي سعودي قطعة من الروح، ومنا لكل واحد منهم أينما كان وحيثما وقف عظيم الفخر، كامل الحب، خالص الدعوات وأصدق القبلات على جباه ورؤوس.
علي القاسمي