بين أحمد زهير وبانكسي !

كثرة النفخ في البالون الرقيق نهايتها انفجاره في وجهك، هذه هي الخبرة التي يكتسبها أي طفل تخطى الثالثة من العمر؛ لذلك ينصحك الناس حين تكبر بأن لا تعطي الأشياء أكبر من حجمها، الشاب أحمد زهير الذي رسم جدارية (وين رايح) في تعبير عفوي عن حزن السعوديين على رحيل حبيب الشعب الملك عبدالله ــ رحمه الله، وقد لقي هذا التعبير إعجاب الكثيرين حينها؛ لأنه عبر عن مشاعرهم تجاه ملكهم المحبوب، ولكن اللحظة العفوية تحولت بقدرة قادر إلى مشروع ثقافي، حيث كثر ظهور أحمد زهير في الإعلام مع تسويره وتأطيره للجدارية وصولا إلى مرحلة تأليف الكتب، وكل هذا رغم أن الجدارية تجمع بين صورة فوتوغرافية ليست من تصويره مع قصيدة ليست من أشعاره، وقد سرت شائعة عن قيام أمانة جدة بإزالة الجدارية، ولكن الأمانة نفت وأكدت أنها أزالت فقط المخالفات التي أقيمت حول الجدارية؛ مثل الأسوار والحواجز وغيرها من الاعتداءات على الرصيف.

سوف أروي لكم وللأخ أحمد زهير قصة مشابهة حدثت قبل فترة قصيرة في غزة وأترك تقدير حجم الفوارق، بانكسي رسام غرافيتي بريطاني شهير بدأ نشاطه بالرسم على جدران لندن وتباع أعماله بمبالغ كبيرة، منها جدارية بيعت بأكثر من مليون دولار، وقد عرف بالغموض والسرية وعرفت جدارياته بالتعبير عن القضايا الإنسانية والسياسية والاجتماعية، بعد العدوان الإسرائيلي على عزة 2014 رسم ثلاث جداريات على أنقاض بيت فلسطيني دمره القصف، إحداها على الباب المعدني، ووثق هذه الجداريات على الإنستغرام ثم مضى إلى حال سبيله دون أن (يعمل زحمة) مثل صاحبنا أحمد زهير.

هذا الباب الذي يحمل لوحة رائعة عن أثر العدوان على الإنسان انتقل إلى منزل موظف فلسطيني لا يعرف عنه شيئا، فجاءه صحفي وفنان غرافيتي فلسطيني واشترى هذا الباب التحفة بمائة وثمانين دولارا فقط، فرح الموظف بهذا المبلغ المفاجئ لباب معدني مستعمل؛ لأنه لم يدرك أهمية رسم السيدة الحزينة على الباب، وربما كان يقول لنفسه: (والله لو أن اللي راسمها أحمد زهير)!.

بعد أسابيع شاع خبر اللوحة الغالية على الفيس بوك، فجن جنون الموظف، وأكد أن المصور الذي اشترى منه الباب خدعه؛ لأنه قال بأن وكالته رسمت هذه الصور على الأبواب وتريد جمعها، وأضاف: (بيتي مدمر وأسكن بالإيجار وأحتاج ثمن اللوحة، ولكني أريد الآن أن أضعه في مكانه الأصلي؛ كي يعرف الناس كيف عبر الرسام عن معاناتنا)، أما المصور الذي اشتراها فيؤكد أنه أراد بهذه الخطوة حماية عمل بانسكي من التلف والضياع، وقد قامت الشرطة الفلسطينية مؤخرا بدخول منزل المصور والتحفظ على الباب بانتظار أن تبت المحكمة في أمر ملكيته، وكل هذا دون أن يعلق بانسكي.. أو ربما دون أن يعلم.. (سامع يا أحمد زهير؟!).

خلف الحربي

نقلا عن “عكاظ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *