بين التعبئة والهياط
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
التعبئة الإعلامية في زمن الحرب أمر ضروري لتوحيد الصفوف وشحذ الهمم، والإعلام التعبوي رغم طرحه المباشر يظل فنا لا يمكن الاستهانة به، ومن عايش أحداث حرب تحرير الكويت يدرك كيف واجه الإعلام السعودي إعلام صدام حسين – القوي والمؤثر في ذلك الزمان – اعتمادا على عدد قليل من المواهب الاستثنائية أهمها الراحل الكبير غازي القصيبي والشاعر الجهبذ خلف بن هذال العتيبي والفنان محمد عبده وغيرهم، وقد شكل هؤلاء جبهة إعلامية شديدة التأثير وكان أداء كل واحد منهم يعادل أداء 10 وزارات إعلام مجتمعة.
واليوم تغيرت المعادلات الإعلامية وأصبح هناك فضائيات وإنترنت ومواقع للتواصل الاجتماعي وتطبيقات على الجوال، كما تغيرت لغة التأثير بتغير الزمان وتغير الظروف السياسية، ولكن الحاجة للمواهب الخبيرة الواعية لازالت هي الفيصل وقد نكتشف في عاصفة الحزم جيلا جديدا من الشعراء والإعلاميين والفنانين لا يقل في عطائه عن الجيل السابق، ولكن المشكلة أن الإعلام لم يعد حكرا على النخبة كما كان الأمر قبل ربع قرن، حيث أصبح فضاء مفتوحا للجميع وهذا أمر له محاسنه ومساوئه.
ومن مساوئ الفضاء الإعلامي المفتوح أن الرديء يمكن أن يغطي على الجيد، وقليل الخبرة يمكن أن يضيع جهد الخبير، و(المهايطي) يمكن أن يربك عمل الموهوب، وقد تابعنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي الكثيرين ممن أخذتهم الحماسة بشكل سيئ ولا يخدم أهداف المعركة، وكذلك بعض من استغلوا الفرصة لبث سمومهم الطائفية التي كانوا يخفونها من زمن بعيد، وكذلك إنصاف الموهوبين الذين حاولوا القفز في منتصف المشهد الإعلامي فتحول أداؤهم الحماسي المبالغ فيه إلى صورة كوميدية يضحك منها الأصدقاء قبل الأعداء.
ولا أعلم صدقا ما الذي يمكن أن تفعله وزارة الثقافة والإعلام في مثل هذه الظروف، لأن طبيعة العصر جعلت العمل الإعلامي خارجا عن السيطرة، ولكن هذا لا يمنع أن تكون لديها خطتها العاجلة التي تحتوي المواهب البارزة والأصوات المؤثرة المتعقلة وتدفع بها إلى الواجهة من خلال قنواتها أو من خلال القنوات الإعلامية التي تتعامل معها كي لا يختطف (المهايطية) المشهد الإعلامي وكي لا يأخذوا الخطاب التعبوي بعيدا عن أهدافه، وهكذا يمكن أن تبقى أطروحاتهم الطائفية ولغتهم المرتبكة وإشاعاتهم الضارة حبيسة أجهزة الجوال، بينما يصعد من يملك الصوت المؤثر والواعي المنابر الحقيقية.
خلف الحربي
نقلاً عن “عكاظ”