لعبة «الشيطان الأكبر»
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
إليكم موجزاً لأخبار الأسبوع الماضي، ولكن مع تعديل في الألقاب فقط:
«وزير خارجية الشيطان الأكبر ووزير خارجية الملاك الأكبر، يتجولان على ضفاف بحيرة جنيف عشية استكمال محادثات الملف النووي الإيراني».
«وزير الشيطان الأكبر يستضيف نظيره وزير الملاك الأكبر، على مائدة عشاء في أحد المطاعم السويسرية».
«الشيطان الأكبر يُثني على المهارة التفاوضية لنظيره الملائكي»!
ما سبق، نماذج لأخبار عالمية متداولة، تمت إعادة صياغتها فقط وفق لغة الإعلام الإيراني منذ ما بعد الثورة حتى ما قبل الاتفاق النووي.
لعبة الشيطان الأكبر ليست جديدة في ألاعيب السياسة، فدول كثيرة استخدمتها سابقاً، إما ضد: الصهيونية أو الإمبريالية أو الشيوعية أو القومية العربية أو الصحوة الإسلامية. بحيث يتحكم هذا التصنيف الشيطاني في تحديد نوعية العدو، فيكون تارة إسرائيل وتارة أخرى «طالبان» أو البعث أو «الإخوان المسلمين» أو «داعش»، وهكذا يتم اكتشاف العدو الأول مجدداً كل حين.
ما تختصّ به إيران من دون غيرها في ممارسة هذه اللعبة، أنها أطالت مدة اللعب بورقة «الشيطان الأكبر» لأكثر من خمس وثلاثين سنة، في ممارسة عدائية / طهورية باسم الدين، حتى إذا حانت اللحظة التاريخية لسقوط الأوراق تبين أن الشيطان الأكبر، بالتعاون مع الشياطين الصغار في الغرب، يتفاوض مع الملاك الأكبر ضد مصالح الملائكة الصغار في المنطقة!
كل الأوصاف السابقة افتراضية، فلا شيء يؤكد الآن أن الشيطان الأكبر هو الأكبر حقاً، ولا أن الملاك الأكبر كان ملاكاً يوماً ما، وإنما هي لعبة حشد الجمهور لمشاهدة مصارعة مثيرة، في ضرباتها وفي انفعالاتها وفي شتائمها، حتى إذا انتهت الجولات ذهب المتصارعان لقبض المكافأة .. والجمهور لقبض انفعالاته.
كان السؤال الذي شغل المراقبين عقب الاتفاق الإيراني – الأميركي الأسبوع الماضي هو: هل ستتخلى إيران حقاً عن برنامجها النووي غير السلمي؟ لكن الذي شغلني سؤال آخر، هو: هل ستستبدل إيران شيطانها الأكبر الذي تجمّلت به طوال ثلاثة عقود بشيطان أكبر جديد؟ أم أنها ستغيّر تكتيكها من توظيف شيطان أكبر إلى شياطين صغار متوزعين ومتنوعين في وساوسهم وفق المرحلة النووية الجديدة؟!
من حق كل دولة أن تختار نوع العلاقات التي ستبنيها مع الدول الأخرى بما يخدم مصالحها. هذه هي البراغماتية في السياسة، لكن المخادعة لها اسم آخر غير البراغماتية.
ظلت جمهورية إيران الإسلامية، منذ ثورة الخميني، تلوّح بشعارات عديدة باسم الإسلام. هي لعبة شبيهة بلعبة الشيطان الأكبر، لكن في الاتجاه المعاكس، فالملاك الأكبر سيسعى الى تعزيز «وحدة المسلمين» وتوحيد الصف أمام «العدو المشترك». لكن هذه الوعود لم تتحقق، فلا هي مسّت دولة العدو الصهيوني، ولا هي حجّمت النفوذ الإمبريالي، ولا هي أبطأت التمدد الإلحادي، بعد أن أهدرت دم سلمان رشدي، بل ربما ساهمت في زيادة انتشار التجديف بعد أن دعمت منهج التشكيك في مصداقية رموز الإسلام ومرجعياته القريبة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا حديثٌ يستند في معظمه إلى «نظرية المؤامرة». أليس كذلك؟!
نعم هو كذلك.
إذا كنا نقول من قبل إن استخدام نظرية المؤامرة في تحليل الوقائع هو غباء، فقد آن لنا أن نقول الآن إن عدم استخدامها هو استغباء!
زياد الدريس
نقلا عن “الحياة”