الوثبة القومية العربية واتفاق لوزان
لا شك في أن «عاصفة الحزم» شكلت حدثا قوميا عربيا مهما ونافذة أمل في الواقع العربي الموغل في الضياع. كذلك الإعلان عن تأليف قوة تدخل عسكري عربية. يُضاف إليهما تحية الرئيس المصري ثلاث مرات «للأمة العربية». ولكنها ليست المرة الأولى التي تلتقي القاهرة والرياض على موقف موحد من القضايا العربية الراهنة. ولا المرة الأولى التي يعلن فيها عن تنفيذ خطة عسكرية توحد وتنسق بين القوات العربية المسلحة؛ ففي الخمسينات التقت السعودية ومصر على معارضة مشاريع الأحلاف العسكرية الغربية (وكانت سوريا ثالثهما). وفي عام 1964 قررت القمة العربية إنشاء قيادة عسكرية عربية مشتركة بوجه إسرائيل المزمعة يومذاك على تحويل مجرى نهر الأردن. لسوء الحظ، لم يستمر اللقاء بين مصر والسعودية طويلا، بل تحول إلى خلاف سياسي عميق، وأيضا لم تكمل القيادة العربية المشتركة دورها، إذ جاءت هزيمة يونيو (حزيران) 1967 لتحطم القيادة والخطة وآمال الشعوب العربية. أما اليوم، فقد حلت دول مجلس التعاون الخليجي محل سوريا في هذا المحور القومي العربي الجديد، الذي انضمت إليه دول إسلامية وأفريقية.
إن عاصفة الحزم هي التجربة الأولى لهذه الصحوة العربية الجديدة، ونجاحها في إفشال المشروع الحوثي – الإيراني في اليمن هو معيار إكمال مسيرتها في اتجاه سوريا والعراق وليبيا، حيث ضج القتال بالتناقضات. وإذا كانت إسرائيل والدول الغربية الكبرى تعاونت على إجهاض تجربتي الخمسينات والستينات، من ضمن إطار الحرب الباردة، فإن الدول والقوى التي أسفرت عن وجهها في معارضة عاصفة الحزم وقوات التدخل العربي، لن ترعوي عن نصب الكمائن والعقبات في وجهها، لا في اليمن فحسب، بل في سوريا والعراق وليبيا، أيضا.
ولكن السؤال الكبير يبقى حول موقف الدول الكبرى (أي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين) من هذه الوثبة القومية العربية. إنها تلتقي معها على محاربة الإرهاب وعلى الأخص «داعش» و«القاعدة» و«النصرة»، ولكنها تنفصل عنها في النظرة إلى مصير الحكم في العالم العربي، فالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط – باعتراف كل المحللين – حائرة أو ضائعة أو مترددة في اختياراتها ومساعداتها وعداواتها. يهمها من جهة مسايرة إيران لوقف مشروع تسلحها النووي تطمينا لإسرائيل وغير إسرائيل في المنطقة (وقد بان ذلك في اتفاق لوزان الأخير)، ولكنها في الوقت ذاته لا تريد خسارة حلفائها العرب الذين باتوا يعتبرون إيران ومشاريعها الإمبريالية المذهبية خطرا أكيدا ومباشرا عليهم.
إن الجلوس إلى طاولة الحوار والتوصل إلى اتفاق سياسي بين المتقاتلين في اليمن وسوريا والعراق وليبيا هو، نظريا، الحل الأفضل لهذه الحروب الداخلية العربية. ولكن ما من شيء يدل على أن الحلول السياسية واردة ما دام هناك دول وجهات تمد المتقاتلين بالمال والسلاح، لا بين الدول الإقليمية فحسب، بل بين الدول الكبرى أيضا. وهناك شبه إجماع بين المطلعين والمراقبين على أن القضاء على الإرهاب المجسم اليوم في «داعش» واحتلاله لقسم كبير من الأراضي السورية والعراقية، سوف يستغرق سنوات. وكم.. وكم من التحولات ستحدث في هذه السنوات وتؤثر على مجرى القتال؟
في مطلق الأحوال تعتبر عاصفة الحزم، وإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، قرارين تاريخيين وخطوتين نحو الخروج من دوامة المصير العبثية التي تدور فيها منطقة الشرق الأوسط. وفي الأهمية نفسها عودة مصر الصريحة إلى الأمة العربية، ولقاؤها مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، لتأليف نواة جبهة تنزع مصير الأمة العربية من الأيدي التي لم تكف عن التلاعب به منذ 15 عاما. كما يشكل اتفاق لوزان النووي منعطفا مهما لا يصل بنا إلى حد القول إن الولايات المتحدة قد تخلت عن حلفائها العرب، أو إن إيران حققت انتصارا كبيرا يعزز دورها الإمبريالي في المنطقة.
إن الانتفاضة بل الوثبة العربية التي تجلت في القمة العربية الأخيرة فرصة لا تجوز إضاعتها أو السماح لمن أزعجتهم بإجهاضها، لا في معركة اليمن، ولا في ساحات التقاتل الأخرى، بل يجب توسيعها لتشمل أكبر عدد من الدول العربية والإسلامية ودعمها بإقناع الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، بأنها ضرورية للتغلب على الإرهاب، تيارا وجماعات وأحزابا.
وأيضا للجم المشروع الإيراني الإمبريالي الذي يغذي مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، الإرهاب والإرهابيين.
باسم الجسر
نقلا عن “الشرق الأوسط”