خدم وحشم
كنت أستعد لكتابة مقال عن أمانة جدة، حتى غيرت مسار مقالي بعد أن استلمت هذه الرسالة عبر “واتساب”: “عظيم انت يا سعودي، فمن كوريا واليابان وألمانيا وأميركا من يصنعون سيارتك. ومن تركيا والهند والبنقال من يحلقون شعرك. ومن اليمن وباكستان والهند من يصلحون موترك. ومن مصر وسوريا من يدرسون عيالك. ومن فلسطين ولبنان من يديرون شركاتك. ومن الفلبين وإندونيسيا والهند وإثيوبيا من يربون عيالك. ومن السودان وتشاد من يرعى ناقتك وغنمك. وإذا سألته وينك؟ قال عندي شغل. أي شغل وكل الدول تشتغل عندك؟”.
انتهت النكتة، وضحكنا عليها، إلا أنها تضحك علينا.
ومع كامل الاحترام والتقدير لكل الجنسيات التي تتشارك معنا حياتنا، ولهم كامل التقدير إلا أن الأرقام ما زالت مؤلمة جدا.
هناك إحصائية تقول إن عدد العمالة المنزلية في السعودية بلغ مليونا و200 ألف عامل وعاملة منزلية، أي 88% من البيوت السعودية لديها عمالة منزلية. ننفق عليها ما إجماله سنويا 28 مليار ريال.
كي نستطيع أن نمسك القضية بأيدينا، ونقلبها ونشمها ونلعقها، لندرك أنها حقيقة ماثلة، علينا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يحصل لو ذهبنا إلى البلاد التالية التي يعادل مجموع سكانها مجموع خادماتنا: بروناوي، أيسلندا، جزر المالديف، سيشل، موناكو، ومالطا، وقمنا بنزعها من الخريطة ورميها في السعودية؟ ما التحولات الأخلاقية والثقافية والاجتماعية التي يمكن أن تحدث؟
لذلك، ماذا لو قام معالي وزير العمل النشيط عادل فقيه بتفعيل نطاق جديد من تقديم الخدمات المنزلية من خلال شركات كبيرة رأسمالها 100 مليون ريال، توفر العمالة مقابل ساعات محدودة في اليوم، وهو إجراء لو نظرت إليه كرب أسرة سترصد مكاسب كثيرة من خادمة تقوم بأعمالها وترحل، مقابل خسائرك كرب أسرة من خادمة تبقى وتوطّن معها في أطفالنا طعامها وثقافتها ولغتها ومعتقداتها!
نحن الآن ندفع ثمن ذلك الفتح الهائل في الاستقدام الذي بدأ في 1396 وأصبح سعارا عاما في 1412، حتى أصبح ملحوظا في الدراسات الاجتماعية الفرق بين جيلين: جيل رباه الأبوان، وجيل رباه الخدم.
كي يكمل معالي الوزير عادل فقيه مشروع التقنين، عليه أن يدخل إلى المجتمع من الباب الأهم، أي الإعلام، من أجل تغيير ثقافة المجتمع المتساهلة في الحصول على “خدم وحشم” يقيمون بين جدراننا الأربعة، مقابل تعزيز المكاسب مثل تهشيم الاتكالية، وتقوية أواصر الرحم، وخدمة الوالدين وبرهما، وغيرها من المنافع. وهذا يحتاج إلى مشروع إعلامي تنويري يبصر الناس ويعيدهم إلى زمن الطيبين.
حسن عسيري
نقلا عن “الوطن”