قائمة بيضاء للبنوك
لو أن «الصحة» أعلنت حاجتها إلى متبرعين بالدم لما استطاعت العين احتواء طوابير المسارعين إلى تلبية النداء، لو أن «الدفاع» أعلنت الحاجة إلى متطوعين لجاء الاحتجاج من النساء لحرمانهن من هذا الحظ العظيم. أي طلب مهما كان ثانوياً سيجد إقبالاً عظيماً، والتجارب كثيرة ومتنوعة، ففي كل ظرف يتبرع الرجال بأموالهم والنساء بمصاغهن لكل دولة عربية أو إسلامية تعاني ظرفاً حربياً أو مجاعة أو كارثة طبيعية. روح المبادرة تتجلى في اللحظات التي تفرز المواقف وتتطلب المساندة كما هي حال صاحب مؤسسة تقسيط اسمه عادل الثبيتي الذي أعلن إسقاط الديون عن العسكريين المشاركين في «عاصفة الحزم» ثم لحق به أصحاب محال ومحطات وقود في المنطقة الجنوبية، ليعرضوا ما لديهم مجاناً للعربات العسكرية التي تمر بهم.
من المؤكد أن هذه المبادرات لا تحتاج إليها الدولة، فهي تحتفي بأبنائها وتعتني بشؤونهم في كل وقت وحال، لكن الدلالة المهمة هي روح المسؤولية الاجتماعية والعمل الوطني والتفاعل الإيجابي، الذي فتح جبهة واسعة أدارتها وسائل التواصل الاجتماعي متسائلة عن غياب المصارف والشركات الكبرى في هذا الظرف، وداعية إياها إلى تحمل مسؤولياتها عبر إسقاط ديون العسكريين في حد أدنى.
تتمتع المصارف بمساحة واسعة من الخدمات والتسهيلات من دون أية مسؤوليات أو مساهمات اجتماعية لافتة، أبرزها وأكثرها فاعلية، بحسب معلوماتي، مشروع الأسر المنتجة الذي ينفذه البنك الأهلي.
إذا كانت المصارف متكاسلة في السابق فإن التفاعل في هذا الظرف مساهمة وطنية واجبة في مقابل المنافع المجانية التي تنالها، وهو أمر يخدمها دعائياً ويزيد صلاتها بالعملاء القائمين والمحتملين. الشركات الكبرى تحصل على تسهيلات وقروض حسنة، ومع ذلك فإن غيبتها الاجتماعية لا تختلف عن المصارف كثيراً، ما عدا «باب رزق» لعبداللطيف جميل. رجال الأعمال يتبرعون لأعمال خيرية مدارها إفطارات رمضان وتوزيع معونات معيشية فقط.
المشهد الوطني المتلاحم بقوة حتى إن التجاذبات والصراعات الـ«تويترية» بين التيارات ذابت واختفت وسط اصطفاف وطني طاغ، فلم يعد ثمة صوت سوى الفخر والكرامة من دون أن يسألهم أحد القيام بذلك أو توجيههم إليه.
إسقاط الديون عن العسكريين بكل فئاتهم ومرجعياتهم الإدارية، سواء أكانوا في الجبهة أم ينظمون المرور، سيكون خطوة لافتة من المصارف التي تربح كثيراً ولا تدفع مقابلاً، كي لا ينطبق عليها قول الأمير مقرن بن عبدالعزيز إنها مثل «المنشار».
المسألة ليست حاجة أو نقصاً في إمكانات الدولة التي تواسي كل محتاج مهما بعدت أرضه، يقيناً بدورها الخيّر، بل هو كسر العزلة بين الناس والمصارف لكي تكون جزءاً من النسيج الوطني الفاعل.
إن دور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي يتطلب إنشاء قائمة بيضاء للمصارف والمؤسسات المالية والشركات التي تسهم في الخدمة الوطنية والتفاعل معها عبر نقل حساباتهم أو استثماراتهم إليها، كما أن مؤسسة النقد مهمتها وضع ضوابط جديدة لتشجيع وحفز المؤسسات المتفاعلة.
جنودنا الشجعان ليسوا في حاجة إلى هذه المبادرات، لكن المسألة هي رسالة شكر لهم، واحتفاء بجهودهم، فالمواقف هي التي تصقل المعادن وتبرز الفروق.
جاسر الجاسر
نقلا عن “الحياة”