أن يكون لك وطن
خلال عدة أزمات ظهر الشعب السعودي بكل فئاته وأطيافه وشرائحه بشكل مشرف تجاه وطنه. نتذكر على سبيل المثال حرب الخليج وما صاحبها من توجس وقلق، وكيف ظهرت روح الوطنية العالية والتماسك والاستعداد للتضحية. وليس بعيدا عنا موجة الإرهاب التي حاولت ضرب الوطن بشراسة وزعزعة أمنه فوقف المواطنون وقفة شرف وإخلاص مع دولتهم ضد العابثين وشكلوا سياجا منيعا حول وطنهم. وعندما حاول بعض المارقين ذات مرة تحريض المجتمع للتظاهر والشغب وحددوا وقت الفعل مر ذلك اليوم كباقي الأيام رغم أننا لم نشاهد وضعا أمنيا يختلف عن المعتاد.
والآن مع انطلاقة عاصفة الحزم نرى مرة أخرى ما يعبر عنه المواطن من مشاعر خالصة صادقة، وبما أن وسائل التواصل أصبحت منبرا للرأي وساحة للتعبير فقد استطعنا هذه المرة معرفة مشاعر الناس بشكل أكبر وأشمل من ذي قبل، ورغم أن هذه الوسائل تتيح لمن أراد التخفي تحت اسم مستعار قد يرفع عنه الحرج في قول رأيه مهما كان، إلا أننا رأينا الأغلبية الساحقة من أصحاب الأسماء الحقيقية والمستعارة تقف بقوة مع قرار الدولة وترفع عقيرتها بمشاعر الحب للوطن والاستعداد للذود عنه، في حالة إجماع استثنائية لا نراها في الظروف العادية.
اتفق الكل أننا ننتقد ونغضب، وقد نحتد أو حتى نسخط أحيانا من أداء بعض الأجهزة والإجراءات، ونطالب بكثير من الأشياء ونستعجلها، ونرى أن هناك استحقاقات تنموية ومجتمعية تأخرت ولا يجب أن تتأخر أكثر. نمارس ما يمارسه أي شعب في علاقته مع الدولة في أي مكان آخر، ولكن كل ذلك ممكن في الأوقات العادية، أما عندما يحل ظرف له علاقة بأمن الوطن فإن كل تلك الملفات يجب أن تنحى جانبا، وكل الاختلافات في الأفكار والرؤى حيال بقية القضايا يجب نسيانها، ليبقى الإجماع حول الوطن، والوطن فقط.
هذا الملمح المبهج نشاهده مستمرا وبشكل عفوي في كل مكان في الوطن، ما يؤكد أن المجتمع السعودي أصبح على قدر كبير من الوعي بمفهوم الوطن لا سيما خلال هذه المرحلة التي تحولت فيها بلدان كثيرة حولنا إلى أشلاء يصعب تجميعها لأسباب كثيرة من أهمها اختراق الجبهة الوطنية الموحدة وضرب مكوناتها ببعضها ليخسر الجميع في النهاية.
حمود أبوطالب
نقلا عن “عكاظ”