حينما تغضب السعودية
استنفدت السعودية كل الوسائل التي يجب اتباعها؛ لإنهاء العبث الحوثي بالشرعية في اليمن، مارست كل أنواع الحلم واستخدمت طرقاً عدة من أجل أن تتوقف ميليشيات الحوثيين، سواء بالطرق السلمية أم التهدئة وعبر الحوار، حيث دعت قبل أسبوع إلى حوار وطني يمني شامل لكل الفصائل، إلا أنه من الواضح أن جماعة الحوثيين والتي تحركها أصابع خارجية، بالتأكيد لم يكن هدفها فقط زعزعة أمن اليمن فقط، بل إن لديها طموحاً توسعياً من أجل نقل المعركة داخل الأراضي السعودية وإلحاق الضرر بالأمن الوطن ودول الخليج.
الحلم السعودي امتد لأكثر من ثلاث سنوات، وبذلت خلاله جهود عدة، منذ اندلاع الأزمة في اليمن عام 2011، طرحت السعودية حلول ومقترحات كثيرة، وأخرجت الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من الأزمة التي كان فيها وساعدته بالمال والدعم التنموي، وليس هذا فحسب، بل ضمنت له حياة كريمة للعيش بسلام بعد مغادرته القصر؛ حتى لا يحدث له كما حدث لزعماء الثورة في بعض بلدان «الربيع العربي»، ولاسيما بعد أن تعرض لهجوم انتحاري داخل مسجد أثناء أدائه صلاة الجمعة، ونقل وقتها إلى السعودية بأمر من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله، إلا أن الرئيس المخلوع تنكر للدور السعودي وانضم من جديد لزعزعة الأمن وتحريض الحوثيين بالعبث، مستغلاً الدور الإيراني في المنطقة الذي أصبح له «علي صالح«الممثل في اليمن.
سعت السعودية إلى تجنيب المنطقة أي صراعات طائفية من خلال دعمها للشرعية في اليمن، إنما التعنت الذي مارسه الحوثيون يدركه كل متفهم في السياسة. إن الصراع في اليمن ليس من أجل السلطة، بل لبسط سيطرتها مستفيدة من القوة الخارجية المحركة والتمدد السياسي بفكر متطرف.
منحت الديبلوماسية السعودية الكثير من الفرص وقدمت إلى جانبها مساهمات مالية حتى تتجاوز الأزمة، في الاجتماع الوزاري الثالث لمجموعة أصدقاء اليمن في الرياض، إذ قدمت دعماً مالياً أكثر من ثلاثة بلايين دولار، ولم يكن التحرك السعودي منفرداً، إنما كان تحت مظلة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وسعى منــدوب الأمـم المتـحدة في اليمن جمال بن عمر لتهدئة الأمور، ولكن من دون جـدوى.
شعرت الحكومة السعودية بعد كل هذه السنوات من المماطلة والتلاعب من الجماعات الحوثية أنها لا تهدف إلى بناء التنمية في سعيها للحكم والاستيلاء عليه، بل تريد أن تتحول إلى دمية تحركها قوى أخرى في المنطقة؛ من أجل إلحاق الضرر بالسعودية وأمنها. وهذا كان بالنسبة إلى السعودية هو الخط الأحمر الذي لا يمكن أن تسكت عليه وتتجاهله، في 2011 حاول الحوثيون العبث بالحدود السعودية من الناحية الجنوبية، ووقف لهم الجيش السعودي بالمرصاد وجعلهم يتقهقرون ويهربون، وألحق بهم هزيمة قاسية. الجماعة الحوثية لا تختلف عن جماعة «بوكوحرام» في نيجيريا و«الإخوان» في مصر و«حزب الله» في لبنان و«داعش» و«القاعدة» وغيرها من المنظمات الإرهابية، ليس لديها تجربة مدنية ولا خبرة سياسية ولا تملك رؤية واضحة لإدارة البلاد، أجندتها مليئة بالنزاعات والحروب، فهي ليست أحزاباً سياسية، إنما جماعات تخريبية تهدم البنية المدنية المتحضرة.
لماذا جاءت عاصفة الحزم؟ لأنها جاءت بعد صمت طويل وحلم الكريم والمخاوف بدأت تكبر، ولاسيما بعد استيلاء الحوثيين على الشرعية في صنعاء وهروب الرئيس عبدالهادي عبدربه إلى عدن وانفجار الأزمة، فكان لا بد لكل هذا التداعيات من أن تجعل من السعودية، أن تضع حداً لهذا العبث السياسي، فكان القرار الذي اتخذه الملك سلمان بن عبدالعزيز، هو القرار الشجاع من أجل مواجهة هذا المد الطائفي الذي يشكل تهديداً كبيراً لأمنها وشعبها وأراضيها وأيضاً أمن المنطقة، ولا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي تتفرج، وإيران تريد أن تغرس مخالبها في المنطقة وتشعلها.
«عاصفة الحزم» خطوة شجاعة من ملك حكيم، وتجاوب غير مستغرب لدول الخليج والعالمين العربي والإسلامي وهذه سابقة عالمية أن تتحد معظم الدول للمشاركة في دحر المد الإيراني، وربما قد ينشأ اتحاد عربي أو إسلامي كما هي الحال اتحاد حلف شمال الأطلسي؛ لردع أي عصيان يهدد أمن المنطقة.
«عاصفة الحزم» هي غضب سعودي على ما آل إليه الوضع في اليمن والتمرد الخطير لجماعة الحوثيين والخطر الذي كاد يمتد إلى السعودية وما جاورها، وهو دليل، بكل المقاييس، على نجاح الديبلوماسية السعودية التي استطاعت أن تكسب ثقة العالم لهذه العمليات ووقوفهم بجانبها. هذا التحرك سوف يرسل رسائل عدة إلى مختلف الجبهات. حمى الله السعودية ودول الخليج ورفع الله كربة اليمنيين.
جمال بنون
نقلا عن “الحياة”