ثلاثة عوامل وراء الاحتفاء برسوم الأراضي
الاثنين الماضي قرر مجلس الوزراء السعودي فرض رسوم على الأراضي البيضاء الواقعة ضمن النطاق العمراني للمدن. فهذه المسألة أصبحت هاجسا مؤرقا للباحثين عن سكن، وتناولتها الصحافة وقنوات التلفزيون، بحيث بدا أحيانا أنها باتت موضوع إجماع.
ثلاثة عوامل أظنها تفسر احتفاء الجمهور بالقرار:
أولها: الشعور بنجاح المحاولات الأهلية التي بدأت عبر شبكات التواصل، ثم انتقلت للصحافة حتى تبنتها الدولة.
يعتقد غالبية السعوديين أنه لا بد من ضع ضوابط معينة لهذه المسألة. ولا شك أن هناك من لا يواجه مشكلة في تملك بيت أو بناء بيت، كما يحصل لعامة الناس.
الثاني: هو التطلع إلى حسم الملفات العالقة. والحقيقة أن شعورا عاما بالتفاؤل قد عم البلاد بعد إعفاء وزير الإسكان من منصبه قبل أسبوعين. فقد كان الانطباع العام أنه حصل على كل الدعم الضروري للنجاح، لكنه أنفق سنوات ثلاثا في الكلام وتقديم الوعود التي لم تنفذ.
ثمة كثير من الملفات الحرجة ما زالت تنتظر الحسم. ويعتقد المواطنون أنها تحتاج إلى قرارات صارمة تكسر العقد وتعيد إطلاق عجلة الحل.
أما العامل الثالث وراء اهتمام الجمهور بقرار الرسوم، وأظنه الأكثر وضوحا على المستوى العام، فهو اعتقاد غالبيتهم أنه سيؤدي إلى خفض أسعار الأراضي السكنية التي تشكل الآن نصف التكلفة الكلية لبناء منزل متوسط.
من المبكر الحكم على فاعلية القرار الجديد، فهو سيحتاج بالتأكيد إلى اجتياز مراحل كثيرة قبل صدور لوائحه التنفيذية التي تجعله قابلا للتطبيق. لكن نستطيع القول إن سوق العقارات ستلمس تأثيره بصورة فورية. كثير من المشترين المحتملين سوف يؤجلون قرار الشراء بانتظار هبوط الأسعار. وهذا بذاته سيؤدي إلى زيادة العرض وخفض أسعار الأراضي المعروضة.
السؤال الذي يطرحه الناس اليوم: هل سيؤدي فرض رسوم على الأراضي إلى حل مشكلة السكن في السعودية؟
أهمية هذا السؤال تكمن في اعتقاد شريحة واسعة من الجمهور أن تكلفة الأرض هي العلة الكبرى لمشكلة السكن، التي أوشكت أن تصبح معضلة.
هذا اعتقاد صحيح، لكنه يكشف عن نصف الحقيقة. النصف الآخر يتمثل في نظام التمويل المصرفي المعقد، الذي يحرم غالبية المحتاجين للسكن من التمويل. والمؤسف أن مؤسسة النقد، وهي الجهة التي تتولى مراقبة عمل المصارف في المملكة قد أضافت مزيدا من التعقيد على نظام الرهن العقاري الذي أقر في منتصف 2012. لكن فائدته لا تزال غير ملموسة. علما بأن أنظمة الرهن العقاري تعتبر أهم الأدوات التي عالجت مشكلة السكن في دول أخرى، عربية مثل الأردن والإمارات العربية، وأجنبية مثل بريطانيا وغالبية الدول الأوروبية.
ونضيف إلى صعوبات التمويل، الاشتراطات المعقدة وغير الواقعية التي تفرضها البلديات مقابل منح تراخيص البناء. وهي تضيف تكاليف غير ضرورية.
زبدة القول أن فرض الرسوم سيخفض أسعار الأراضي، لكن النصف الثاني، أي تكلفة البناء، ليس أمرا يسيرا أو سهل المنال لأغلبية الشباب دون الخامسة والثلاثين، وهو المعدل المتعارف في دول العالم الأخرى لتملك المساكن.
لهذه الأسباب أتمنى أن ينظم مجلس الشؤون التنموية والاقتصادية نقاشا موسعا حول مشكلة السكن من جوانبها المختلفة، سعيا وراء حلول، أظنها ليست عسيرة لو نجحنا في كسر الأوهام التي عطلتنا طوال العقدين الماضيين.
توفيق السيف
نقلاً عن “الشرق الأوسط”