المصريون «حبايبنا».. ولكن
من منا لا يمكن لهُ أن يحب الشعب المصري، يستحيل ألا يتفق أحد على أن الشعب المصري هو من تلك الشعوب المنتخبة، التي تبقى في القلب أكثر مما يجب، نحبهم في جميع حالاتهم، في بؤسهم وفرحهم، في نزاهة نكاتهم وبراءة ضحكاتهم، في صمتهم النادر، وفي قدرتهم على تخطي الكثير من الحواجز والعثرات، ورغبتهم القوية في تجديد مساحة الحياة، الشعب المصري لا يدفن نفسه في سروال البؤس، ولا يلقي بنفسه في أقرب مقبرة، إنما يتكفل من دون هوادة في أن يعيد العيش والحياة كما يجب.
ولكن.. أهَا، و«لكن» دوماً تأتي بما لا يشتهيه الناس أو يرغبون في معرفته، المديح الهائل لا يعني أننا نتوقف على أن نتذكر بعض العيوب، المديح في المقدمة يعني «انتظر!» ستسمع ما لا يسر خاطرك، وما لا يرضيك، إذ إن كل ما علي حتى لا تغضب مما سأكتبه لك، أن أقول لك في البدء، الحقيقة التي تحبها وتعرفها، أن آخذك نحوي، إلى صدري خجلاً وخوفاً عليك، أن أدعك تستريح من كل العناء الذي باغتك، أن أفك لك الطلاسم التي تعبت وأنت تتعلم القراءة والكتابة؛ لكي تفهم معانيها.
يهاجم المصريون بعضهم بعضاً على مختلف أجهزة الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي «تويتر»، و«أنستغرام»، وملكهم الأعظم «فيسبوك»، ويتبادلون الاتهامات في ما بينهم بعصبية وبنضال قوي، وأحياناً بروح ساخرة، «روح يا أخونجي أشرب من البحر»، و«أنتو نسيتوا وإلا نفكركم»، أو «مش ناسيين أن مبارك طلع براءة بعد ما كلفنا بنزين الهليكوبتر»، و«قالوا: عن الضحايا إخوان ودلوقتي بيقولك الإخوان هما اللي قتلوهم»، وهكذا يعدد المصري الاتهامات لشقيقه الصعيدي، وساكن عزبة ميت غمر، وعزبة ناصر، وللإسماعيلي، والإسكندراني، ويفعل الشيء ذاته مع القاهري أو الذي يسكن في الرحاب أو مصر الجديدة و6 أكتوبر، عني أنا فلا أنشغل بقضاياهم الداخلية، وأكتفي بمحبتي الكبيرة لهم، والتقدير لأي عامل يعيش في أي دولة خليجية، وأعشق الحديث معهم، والسؤال الدائم عن حالهم.
لكن ماذا بهم المصريون، متقدو الذكاء، الذين يعرفون في كل شيء وأي شيء، القادرون على الإفتاء في أي موضوع، مهما كانت ثقافتهم، يهاجمون بعض دول الخليج، ولم نُستثنَ نحن السعوديين من غضبهم في يوم من الأيام، لكن هل جربت مرة أن تكتب نقداً عنهم؟ فإن فعلت ذلك فعليك بعض «السلام»، فهم سيأتوك تباعاً وركضاً، تاركين كل انشغالاتهم وحياتهم الخاصة، ليبدأوا معك سلسلة لن تنتهي من الردح الفاخر ولأيامٍ متواصلة، وبمعايرتك بالبداوة القديمة والفقر، وكيف أنهم من قاموا على تعليمنا والإسهام الجبار في رصف شوارعنا، وبناء المشاريع الضخمة جنباً إلى جنب معنا، وأسهموا معنا في حرب الخليج.
لكن من الذي أخبر المصريين، بأن لهم الحق في نقد أي دولة وشتمها، لأن أحداً من شعبها انتقدهم، أو انتقد موهبة من مواهبهم المشاركة في إحدى البرامج الترفيهية، يركلون الشعوب بأقدامهم من دون أدنى شعور ببعض المسؤولية، وعبر مختلف وسائل الإعلام، فيما لا يودون أي شعب من الشعوب الأخرى، أن ينتقدهم ألبتة، هذه النظرية يجب أن تعمم على جميع المصريين، بأنهم إذا كان لهم حق انتقاد أي دولة وأي شعب، فالجميع أيضاً يحق لهُ ذلك، وهذا ما جاء من باب الإنصاف.
ليت الاعلام المصري يتحدث عن معنى الإنصاف، وأن يكون ابناء النيل أكثر قدرة وانفتاحاً في انتقاد البعض لهم، مثلما هم يمتلكون كل هذه الطاقة والحساسية لأي انتقاد خارجي.
سارة مطر
نقلا عن “الحياة”