عبده خال والمرضى !
قبل عامين تعرض حبيبنا وزميلنا في هذه الصحيفة عبده خال لأزمة قلبية، فذهبت إليه برفقة الزميل سعيد آل منصور، وحرصت قبل الوصول إليه على شراء عقد من الفل من بائع صغير السن عند إحدى إشارات جدة المزدحمة.. أظنه كان مخالفا لنظام الإقامة، وفي المستشفى لقيت عبده كما عهدته يحمل مرح العالم كله في قلبه الجميل وضحكنا معه ضحكا جنونيا ما كنا لنضحكه لو حضرنا أهم مسرحية كوميدية فما بالك لو كان مصدر هذه السخرية الحارقة يعاني من أزمة قلبية، ولكن عبده مثل غيره من المبدعين يؤمن بنظرية شيخنا شكسبير (ما الدنيا إلا مسرح كبير)، وإذا لم نضحك على تقلباتها ضحكت علينا.
وقبل أسابيع تعرض عبده لجلطة أعادته إلى السرير الأبيض من جديد، وشعرت بالتقصير لأنني كنت بعيدا عن جدة ولم يكن بمقدوري القيام بواجب الزيارة فكتبت في تويتر داعيا له بالشفاء ومتمنيا أن يكون محتفظا بالمعنويات العالية ذاتها في مواجهة المرض، ولكنني صعقت ببعض الردود العجيبة من نوع (الله ياخذك أنت وياه)، وغير ذلك من العبارات السخيفة التي تحمل صيغة الدعاء بينما هي من صنع الشيطان، فأدركت أننا نعيش في مجتمع ينشط فيه العديد من المرضى النفسيين الذين يحتاجون من يعلمهم الإسلام من جديد لأنهم فهموا الدين بطريقة معكوسة، فالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام زار جاره اليهودي في مرضه، وعبده وأنا لسنا يهوديين، وهؤلاء السفهاء لا يهتدون بهدي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بل تكونت ثقافتهم من (خناقات الحواري) وحاولوا أن يلبسوا هذه الثقافة البائسة ثياب الإسلام فظهروا بهذا الشكل المشوه.
كنت أسأل نفسي: ماذا فعل عبده لهؤلاء؟ لقد كان مواطنا بسيطا سلاحه القلم والكلمة المبدعة، لم ينافق ولم يسرق ولم يأكل أموال الناس بالباطل، هل يمكن أن يكون مثل هؤلاء صورة للإنسان المسلم، ولكن أسئلتي توقفت حين شاهدت زواره في المستشفى.. فهذا هو الفهم الصحيح للإسلام وهذا هو السلوك المتحضر وهكذا يمكن أن يكون الإنسان إنسانا لا وحشا هائما في البرية، فالاختلاف في الرأي والتوجه الفكري لا يبرر الأذى بل هو سمة أساسية للمجتمعات الحية.
خلاصة الأمر لقد أدركت من هذه التجربة العابرة أن هؤلاء هم المرضى وليس عبده خال، وأننا نحتاج إلى أطباء نفسيين أكثر من حاجتنا للدعاة الذين تسبب بعضهم -وأقول بعضهم- في إنتاج مثل هذه الكائنات المشوهة.
خلف الحربي
نقلا عن “عكاظ”