دكتور في المرور
لا بد من جهة «تطبع» لنا شهادات في اجتياز متطلبات الحركة المرورية في بلادنا المعطاءة، استيعاباً صابراً وتفاعلاً، دكتوراه وماجستير ودبلوم، الكثير منا يستحقها إما في ضبط الأعصاب أو في انفلاتها، وإما في حسن الأخلاق أو فقرها، مع حزمة من التخصصات الدقيقة مثل «الزورقة» وعكس الاتجاه ومسح الطبلون والبلادة تجاه حقوق الآخرين.
نحن نعلم أن إدارة الحركة المرورية في بلادنا الغنية، إدارة افتراضية وضعت «ثقتها» الكاملة في المجتمع وأفراده، وقدمت نموذجاً عالمياً في «حرية المرور»، صحيح أن شهادة الدكتوراه لم تعد ذات قيمة وأصبحت مثل الشماغ والثوب، أي شخص يستطيع شراءه ولبسه حتى تعتقد أنه من «الجماعة» وهو خاوي البضاعة، لكنها لا تزال مع أخواتها «المقياس» الوحيد الظاهر على رأس الشخص المذكور والمدعو، بل إنها المعيار عند الاختيار لشغر المناصب الأهم.
ومع الحرية المرورية التي نرفل بإحصاءات عدد حوادثها وتفحّم سياراتها ووفيات أصحابها، بتُّ أعتقد أن وراء هذا الإنجاز الظاهر على سطح الشارع، فوق الجسر وداخل النفق، مضموناً عميقاً تنموياً ومستداماً، لا يعقل أن الحكومة لا ترى ولا تسمع، والدليل أن الإحصاءات عن أعلى أرقام حوادث وقتلى ومصابين تنشر ويركز عليها.
أصبحت أعتقد أن هناك رؤية تنموية من خلال التعليم «الذاتي» والجامعة المرورية المفتوحة في المدن المكتظة بالبشر والمشاريع، استنتجت أن الحكومة ترغب بالهجرة من المدن إلى الأرياف، فإذا كان استنتاجي صحيحاً على الحكومة أن تقدم محفزات بعد إعلان رؤيتها التنموية المرورية المستدامة، كأن تفتح وتجزل في منح أراضٍ وقروض ميسّرة أو مبسترة في المناطق المستهدفة لجذب الهجرة العكسية. هذه الحزمة من المحفزات ومهما بلغت كلفتها لا تساوي شيئاً مقارنة بالخسائر المادية والنفسية فضلاً عن البشرية، والخطط التنموية كما يردد المسؤول تستهدف المواطن، وهو بحسب ما تعلمت مصنف من البشر.
عبدالعزيز السويد
نقلا عن “الحياة”