تصحيح النسب القبلي.. أو النظر
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
نشرت صحيفة «الحياة» في عدد يوم الأحد الماضي 8 شباط (فبراير) الجاري، خبراً عن دراسة فقهية صادرة حديثاً من وزارة العدل، حول استخدام تقنيات الطب الحديث في تصحيح «النسب» والانتماء القبلي.
حقيقة، أستغرب مثل هذه النوعية من الأبحاث والدراسات، والتي تصب في النهاية علي تعزيز المفاهيم القبلية، وغيرها من الانتماءات الضيقة كالإقليمية والشعوبية، نحن مجتمع قام منذ بزوغ الإسلام على نبذ القبيلة، وأسس لمفاهيم العدل والمساواة، ليس على أسس الجنس أو اللون أو الانتماءات القبلية، بل على مفاهيم متقدمة، أساسها العطاء والالتزام الحقيقي بالمبادئ الإسلامية.
لكن يبدو أن مثل هذه الانتماءات لا تزال موجودة في وجدان شعوبنا العربية، على رغم كل هذه التغيرات الثقافية والدينية في مجتمعاتنا، ولكن لماذا لا يزال للقبيلة أو العشيرة هذا الولاء والانجذاب في مجتمعاتنا العربية؟ ومنها مجتمعنا، ونحن نعرف جيداً أن الدولة السعودية قامت ووحدها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- بعيداً عن مثل هذه المفاهيم، بل العكس هو الصحيح، فنحن نقرأ تاريخنا المحلي قبل قيام الدولة السعودية، إذ كانت الحروب والصراعات بين القبائل والإمارات، ووحَّدها الملك عبدالعزيز على مفاهيم وطنية إسلامية عربية.
كلنا يشهد الحروب في دول عربية، بعيداً عمن أشعلها، ولكن الحقيقة أن مؤسسات القبيلة أو العشيرة حاضرة وبقوة على المشهد السياسي وبشكل متقدم على الولاء للوطن والدولة، وأكبر مثالاً على ذلك هو العراق المعاصر، إذ كان تحت القبضة الحديدية لحزب البعث، ولاسيما إبان فترة حكم صدام حسين، إذ لم يكن للعشائر والقبائل والانتماءات المذهبية أثر في الوضع العراقي بكل صوره. هذا على المستوى الرسمي، أما المجتمع العراقي فكانت به أشكال من الاندماج الاجتماعي، مثل الزواج بين جميع أطيافه بغض النظر عن الانتماءات العرقية والمذهبية والقبلية، ولكن عندما تم غزو العراق في 2003، من القوى الغربية وانهارت الدولة المركزية، ظهرت الصورة الحقيقية للمجتمع هناك، فعادت العشيرة والقبيلة والمذهب إلى السطح، وهددت -ولا تزال تهدد- وحدة العراق على هذه الأسس الضيقة.
قد يكون العراق مثالاً واضحاً لضعف الدولة العربية الحديثة، وهذا الفشل في تأسيس وبناء دولة المواطنة الحقة، هو السبب الرئيس في رجوع مثل هذه الظواهر التي قد تهدد مجتمعاتنا في حال تعرضها لأي هزة سياسية، سواءً داخلية أم خارجية، فبناء وتنمية المؤسسات السياسية يجب ألا تكون شكلية فقط، بل من الواجب أن يكون للمواطن العربي دور فعال بها، عن طريق تمثيل حقيقي بها، والإنسان بطبعه يحافظ على المؤسسات الرسمية والمدنية التي تحمي مصلحة وطنه، ومن ثم مصالحه، فإذا لم يجد هذه الوظيفة في هذه المؤسسات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الحقيقة التي تدافع عنه، فهو بلا شك سينكفئ ويلجأ إلى المؤسسات التقليدية في تراثه الثقافي والاجتماعي، كالقبلية والجهة والمذهب.
لا شك أن هناك عوامل مشجعة على غرس مثل هذه المفاهيم التقليدية الخاطئة، مثل مهرجانات مزايين الإبل، وقنوات تلفزيونية شعبية تمجد بالقبائل، وكل قناة وكأنها صوت لهذه القبيلة أو تلك، في مثل هذا المشهد تتلاشى صورة الوطن بمعناها الحقيقي الواسع، الذي يفترض أن يضم الجميع تحت راية واحدة، وكم كنت أتمنى أن تكون هناك أبحاث ودراسات على المستوى الوطني تعمل على تصحيح النظر لهذه القضايا المهمة، وحتى لا تستغل من البعض سواء في الداخل أم الخارج لضرب وحدتنا الوطنية.
عقل العقل
نقلا عن “الحياة”