ليلة القرارات السلمانية

ليلة تأريخية تلك التي تسمّر فيها معظم المواطنين، وقد تهاطلت عليهم في مساء الجمعة المباركة أمطار القرارات التي توالت، لا نفيق من واحدة إلا وتدهمنا التالية، وتوجت بفرحة الراتبين التي تعالت -عندما تليت- صيحات تلهج بالشكر للمليك الجديد الذي بدأ عهده بحزمة قرارات قوية، وختمها بهدية لشعبه الذي أحبه.

تعددت القراءات لتلك القرارات السلمانية الكبرى وكميتها وزمانها، بيد أن الأقرب لرؤية كاتب السطور؛ هي في تلك الرسالة الأوضح: الحفاظ على السياسة التي كان عليها معظم ملوكنا السابقين بالجمع بين المحافظة والانفتاح المتدرج. وأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله- أراد التأكيد على رسم صورة المرحلة المقبلة لمجتمعنا السعودي عبر العودة إلى الإطار التاريخي الذي ترعرع وتطور المجتمع عبره.

من أسعد القرارات التي سمعتها عودة معالي الشيخ سعد الشثري وتعيينه مستشارا في الديوان، فالرجل رغم ما تعرض له من هجوم في الصحافة عليه، إلا أنه ثبت على قيمه ومبادئه، وكان أول المتصدين لحملة مظاهرة “حنين” إبان ذروة الربيع العربي، وقام بدور العالم الشرعي الحقّ في ثبيت المجتمع وقتها، وجاب الرجل خلال الفترة الماضية الوطن من أقصاه إلى أقصاه في محاضرات ودروس علمية لا تنتهي، ضاربا أروع الأمثلة بأن القيم والوطنية الحقة لا ترتهن لمواقف شخصية.

عودة الأمير خالد الفيصل لإمارة مكة، كانت من القرارات الموفقة، التي شهد لها الكثير من المواطنين الذين تضرروا من تكاسل المقاولين ومنفذي المشاريع التنموية، فقرابة أربعة عقود من الخبرة الإدارية في منطقة كبرى كمكة المكرمة تحتاج رجلا حازما ذا هيبة وقوة مثل سموه.

إعادة السياسة الأولى في مراعاة التوازن بين التيارات الإسلامية كانت الرسالة الأوضح في عمليات التعيين التي حصلت في الوزارات الشرعية، وشخصيا ضد الشماتة التي تحصل اليوم في الساحة الشرعية من قبل البعض -هداهم الله- في الوزراء المقالين، وأنا أحد الذين يقولون أن نترك للتاريخ ما يكتبه عنهم، وعند الله حسابهم، وأن ندعو للآتين بالتوفيق والسداد، ونناصحهم بالحسنى، ولنشرئب جميعا ونرنو للمستقبل، فهو الذي يفيدنا اليوم ونحتاجه، وبعض الراحلين بالمناسبة تركوا بصمة يسجلها لهم الوطن، رغم بعض أخطائهم، ومن ذا الذي يعمل ولا يخطئ؟

لأضرب مثالا بمعالي وزير العدل السابق محمد العيسى، وأشهد للرجل أنه قدم الكثير للوزارة، وخطا بها خطوات متقدمة، وأصدر حزمة قرارات لم نكن نتصورها أن تتحقق، في مثل إعادة الأراضي، والتنفيذ الفوري للأحكام الشرعية التي تصدر حيال المسائل المالية، التي كان يتهرب كبار الهوامير ورجال الأعمال من سدادها، وهناك حقوق المطلقات والمعلقات، والتنظيم البديع المتقدم لكتابات العدل، بعد أن كانت في فوضى عارمة وفساد عريض، وأكتب هذا وأنا أحد الذين قدم الرجل عليّ شكوى بسبب برنامجي “البيان التالي”، ومتظلم منه، ولكن أدع هذا كله خلفي، وأشكر لذاك الوزير ما قدمه للمواطن والوطن.

الكل يقف متحيرا أمام ما سيفعله وزير التعليم الجديد، وقد كثر جدل الأكاديميين والتربويين حول قرار دمج التعليم العام بالتعليم العالي. هل ستلجم الجامعات ذات المرونة النسبية ببيروقراطية التعليم العام وحركتها الثقيلة جدا؟ أم سيجد الوزير الشاب معادلة تصل بالجامعات لاستقلالية قراراتها، وتجير الخبرات الكبيرة فيها لصالح الدفع بالتعليم العام نحو الأمام؟

ويبقى أن نؤكد لوزير الإعلام الجديد على الحرية النسبية والمسؤولة التي تمتعنا بها في عهد وزيرنا الوالد عبدالعزيز خوجة، ونتمنى عليه -بعد أن أولاه الله هذه المكانة- تعزيز هذه الحرية وتوسيعها، مع حفظ مقامات علمائنا ورموزنا الوطنية من أن يطالها النقد غير المسؤول.

الأمل يحدونا نحو مسيرة تتلحف المحافظة، وتعتز بالقيم التي توارثناها، وتندمج في حراك العالم بخصوصيتنا السعودية.

عبدالعزيز قاسم

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *