عفواً باريس

بكل الديانات، وبكل اللغات، لابد من اعتبار ما حدث في فرنسا اعتداء على الإنسانية، على الإنسان أينما كان، بغض النظر عن أي اعتبار، فأي روح خلقها الله قد حرم إزهاقها بقرار فردي من أي شخص مهما كان وضعه الاعتباري دون الاحتكام إلى القانون الإلهي وضوابط وآليات تطبيقه. وجميل جدا ذلك الحشد المليوني الذي ازدحمت به باريس، وكذلك جميل احتشاد رؤساء الدول في تلك التظاهرة غير المسبوقة، ولكن – مع كل الاحترام والتقدير للروح الإنسانية مهما كانت جنسيتها – الذين ذهبوا ضحية العاصفة الإرهابية في فرنسا أقل من عشرين شخصا، فقام العالم من أجلهم ولم يقعد، وأعاد زعماء الغرب حساباتهم في مسألة الإرهاب بسبب هذه الحادثة، وكأنها الأولى، أو الأسوأ في وقتنا الحاضر.. لا أيها السادة.. لن نتحدث عن أضعاف أضعاف ذلك العدد من الضحايا في بلدان كاليمن، والعراق وليبيا، وبالتأكيد لن نتحدث عن سوريا لأنها استثناء مأساوي، لنتحدث عن الوطن الذي أنتمي إليه، فقد حصدت محاولات الإرهاب فيه خلال فترة قصيرة جدا عددا غير قليل من رجال أمنه ومواطنيه رغم كفاءة الأداء الأمني والاحترازات العالية.

لقد قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل فترة قصيرة إنه إذا لم تتعامل دول العالم مع الإرهاب بما يقتضيه خطره فإنه سيصل بعد شهر إلى أوروبا وبعد شهرين أو ثلاثة إلى أمريكا، وها هي أحداث فرنسا تثبت أن ما قاله هذا الحاكم العربي الواضح الصادق لم يكن ضربا من التخمين أو قراءة الفنجان، بل هي قراءة حصيفة وحكيمة لتداعيات الواقع إذا لم يتم التعامل معه بمسؤولية كاملة.

منذ فترة طويلة دعا الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، لكن شوفينية ونرجسية بعض الدول التي صدقت أنها تشعل النار دون أن يطالها اللهب، جعلها تتراخى إزاء تلك الدعوة، وتصم آذانها عن جرس الإنذار. وها هو الإرهاب الذي حصد الأبرياء على حدودنا، وداخلها وخارجها في أكثر من وطن عربي، يغرس أظافره وأنيابه في مدينة النور وعاصمة الحرية. كلهم سواء، هنا وهناك.

ربطات العنق السوداء، ومسحات الحزن، وتشابك أيديكم لن تقمع الإرهاب يا زعماء العالم في مسيرة باريس، ومهما كانت كفاءة المواجهة الأمنية فإنها لن تكون مجدية في مقاومة أشخاص يحلمون بالموت ويبحثون عنه بأي وسيلة، ستنجح مقاومة الإرهاب عندما تكون المعادلة لديكم واضحة، بأن القضية هي القضية، في صحاري العرب أو جبال الهند والسند، أو جليد القوقاز، أو مروج وأنهار أوروبا، أو مدن الكاوبوي وهوليود ووادي السيلكون. العدالة في قيمة الإنسان هي مفتاح الحل أيها الزعماء الذين لا يستطيع التاريخ تبرئتكم بسهولة.

في يوم مسيرتكم وقفنا معكم، وتضامنا معكم من منطلق إنساني، وعليكم أن تعيدوا حساباتكم في مفهوم الإنسانية إذا كنتم صادقين في هزيمة وحش الإرهاب، ليس من أجل أوطانكم فقط، وإنما من أجل الإنسان في أي وطن..

حمود أبوطالب

نقلا عن “عكاظ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *