رجال تحت الشمس .. تعاطفاً مع «حرس الحدود»

حين اقترب الشهيد العميد عودة البلوي من الإرهابي الانغماسي حامل الحزام الناسف لم يكن جاهلاً أو غير واعٍ لنوع الضرر المحتمل، بل قدَّم الروح الإنسانية على الحس الأمني، فهو في جوهر عمله خدمة إنسانية، وليس مجرد قوة حربية، وهو يتفهم تفاصيل المنطقة وليس قناصاً للخطاة، خشية أن يكونوا من أهلها.

الحدود الشمالية للسعودية تحديداً ليست منطقة عسكرية وإلا لكانت رباط الجيش، بل هي مساحة يخترقها الرعاة وهواة الصيد وأبناء القبائل الممتدة من سورية حتى شمال السعودية؛ فبعضهم يعبُر رعياً أو قنصاً أو تهريباً، وهذا مما يمثل جوانب الرجولة والشجاعة وفق مفاهيم المنطقة ومصدر دخل بعض أهلها الذين تغنوا بالفورد (سيارة فورد الأميركية في الستينات قبل أن تُحظر لعقود تطبيقاً للمقاطعة العربية لكل منتج يصل إسرائيل) منذ بندر بن سرور حين كان تهريب الدخان والزيت والأغنام بوابة رزق وعلامة شجاعة.

في الشمال، كما الجنوب، «حرس الحدود» تقترب في دورها من الشرطة المدنية، فمعظم المخالفين باحثون عن لقمة العيش أو مهربون لهذه الفئة أو بعض تجار السلاح والمخدرات، فلم يكن التعامل معهم قنصاً؛ لأن ذنبهم تقرره المحاكم، ما لم يكن ثمة سبيل لردعهم سوى البندقية.

«حرس الحدود» مثل ملاحقي المتسولين، وفقاً للتجربة، يقدِّمون حسن الظن على سيئه، والدعوة للاستسلام قبل إشهار الرشاش، وما يتصل به ولو أسلموا القيادة للرصاص لما قل حصادهم عن مئة ألف سنوياً.

«حرس الحدود» مثل دوريات التفتيش فقد يكون المتسلل تائهاً أو جاهلاً أو صاحب قنص فلا تكون ثمة جريمة، ما لم يكن الرصاص لغة التخاطب، وحينها لن تكون الوداعة سمتها، كما حدث حين حاول الحوثي العبث في الحد الجنوبي، فكان هذا الحرس صداً مانعاً إلى أن جاء الجيش؛ ليطهر منطقة الارتباك ويمنح منظار «حرس الحدود» أفقاً لا يدخله مواطن ولا يتضرر منه.

حين دخل «الدواعش» الموصل تسابقت وسائل إعلامية، كالعادة؛ لاستعراض أخطار التهديدات الداعشية على السعودية، وأنها استجلبت قوات مصرية وباكستانية؛ لحماية حدودها، وكأن القوة الجوية الأولى في الشرق الأوسط ترتعب من زلزال يبعد عنها ألف كيلومتر، فضلاً عن تحركها السريع، وفق بعض المصادر، وقرار الملك الحاسم المبلغ للحكومة العراقية باعتبار أن أي قوة تتحرك باتجاه أراضيها من ناحية العراق ستكون هدفاً لضرباتها في عمق 60 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية إن لم تعلن حكومة بغداد أن هذا النشاط يمثلها وناتج قرارها، وهو ما تحاول إيران تكراره، اليوم، حين تعلن أن طائراتها ستهاجم أي تحرك يقترب من حدودها بنحو 40 كيلومتراً.

تنظيم «داعش» وأشباهه لا يقلق السعودية، فهي حجَّمت «القاعدة» في الجنوب، على رغم صعوبة التضاريس الجغرافية ودعم السلطة في اليمن، حينها، لمثل هذه النشاطات الإرهابية.

ربما يتبدل سلوك «حرس الحدود» بعد الغدر بقائده في الشمال، ووقتها لن يرفع متسلل يديه إلا وهو عارٍ كلياً، فالمؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين.

لم يكن المتسللون في منجاة من كاميرات الحدود، لكن محدودية عددهم وسيرهم مشياً حصّناهم من القصف المباشر إلى حين التحقق من أمرهم، لكن الغدر والغيلة كانا سلاحهم الجبان.

في «الحدود الشمالية» تجتمع كل قدرات التحصين والحماية، بدءاً من البشر، واكتمالاً بالتقنية، فلا خوف عليها ولا ضرر إن استوعبت رسالة الشهيد البلوي القائلة إن الإرهاب لا أخلاق له ولا يستحق حسن الظن، فلا تكون ثمة فرصة لإرهابي ادعاء البراءة بعد احتراق الأوراق وانكشاف النيات.

لم يذهب دم الشهداء هدراً، فهم أسسوا لقاعدة جديدة لن يكون للمتسلل في دبدبة الشمال (الصحراء المستوية المكشوفة) المحصنة بالرجال الساهرين المتوافرين على الحواجز والعوازل والسواتر الترابية والتقنية الحرارية فرصة النجاة وإن استتر بالعير أو قطيع من الغنم.

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *