فحوص الملك و«تويتر» السعودي
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
الداخل إلى «تويتر» السعودي والراصد له سيجد شعباً على وشك الحرب، يود أحدهم أن يفتك بخصمه ويدفن كل أهله، ويتحين الفرص للشماتة به وهتك سره إن خذلته قوته وقدرته في تصفيته والقضاء عليه.
الجدل السعودي في «تويتر» دون غيره شديد الاحتقان وسريع الغضب، فلا يحتمل رخاوة «فايسبوك» وإيقاعه المدني القائم على الإسهاب والتفصيل وهدوء الحوار مهما كان حاداً، بينما «تويتر» أقرب إلى اللكمات الصاعقة، لحضوره المباشر وسرعة حركته حتى كأنه لقاء وجهاً لوجه، فلا تخرج كلمة حتى يأتي الرد عليها فوراً بما يفوق فن «المحاورة» الذي على رغم سخريته وحدته يتسم بالهدوء ويخلخل غضبه عبر فواصل الكورال العفوي.
من يشهد سعوديين يشاهدون مباراة أو يلعبون «بلوت» أو يتبادلون الرأي، سيجزم لشدة الصخب وحركات الأيدي وتداخل الأصوات أن الجلسة ستفضي بسقوط جرحى وتدخل للشرطة، بينما يعود الصفو مع انتهاء الحال فتكون قبلات الوداع وتمنيات الخير هي الإيقاع المشترك بين هذه الجماعة الصاخبة.
كل هذا الصخب الظاهر هرب من الفراغ ومحاولة لسده بأي شكل، وعجز عن بقاء المرء وحيداً فهو لا يعرف معنى العزلة والهدوء، فلا يمارس رياضات النفس الطويل مثل الغولف والسباحة وسباق القوارب وما يشابهها، ونادراً ما يتصل بالنشاطات التي تتطلب هدوءاً وعزلة مثل القراءة والمسرح والموسيقى. هذا ما يجعل المرء متعجلاً في القيادة إلى حد التهور من دون سبب، ومنشغلاً بجواله كأنما الحياة ستنهار إن انقطع عنها ساعة.
كل هذه الصورة ظاهرية، وعلى رغم وجودها إلا أنها ليست الجوهر والأصل الذي لا يتكشف ويتجلى إلا حين تذوب الخيارات ويصبح الكسل والتراخي خيانة وجبناً.
بعيداً عن حالات محددة وفروق فردية فإن التعرف إلى القشرة الداخلية للسعودي يتطلب حالاً حاسمة تحيل الصخب العابر إلى فعل جاد ومخلص يهدف إلى تحقيق فارق مهم، فإن كان الصديق أو القريب في مأزق ذابت الخلافات والصراعات من أجل مناصرته ودعمه، فإن ظهر طلب تبرع للدم تدفقوا زرافات ووحداناً إلى إغاثة مريض لا يعرفونه ولا يرجون منه كسباً أو شكراً، يتبرعون لمساعدة المحتاج من دون تردد وإن تعرض بعضهم لغش وخداع. اليوم تتكشف صور جديدة عن السعوديين، لم تكن الأوضاع سابقاً تصل إلى عمق قشرتها فتعبر عن باطنها.
في جريمة «الدالوة» ظن كثيرون أن حال الاحتقان السعودي في بعض الوسائل إنما هو رماد افتراق طائفي ينتظر تحريكه لتشتعل ناره، لكن الصورة جاءت عكسية تماماً وصادمة كلياً للمتربصين.
الأربعاء الماضي دخل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المستشفى لإجراء فحوص طبية، وخلال ساعة تحول «تويتر» السعودي من انتقاد المسؤولين واستعراض الفساد والتعبير عن خيبات كثر بغض النظر عن صدقيتها إلى حملة شاملة للدعاء للملك، لم يتأخر عنها أحد من كل الأطياف التي تناست خلافاتها وصراعاتها واصطفت داعية للملك، ليس لتوجيهات صدرت بذلك، فليس أحد عليه أمر أو سلطة، خصوصاً المستترين خلف أسماء مستعارة، إلا أنهم كانوا يعبرون عن حب حقيقي غير مصطنع للملك الذي سكن قلوبهم وسعى إلى خدمتهم، فكانت هبّتهم التي سادت «الوسوم» الأيام الماضية تأكيداً لهذه العلاقة، وبرهاناً على أن ظاهر السعودي في فراغه غير جوهره في حال الحركة والضرورة، ورداً بالغاً على كل من توهم تشظي الوضع السعودي وهشاشته، فالاصطفاف من أجل الملك مع أن حاله بحمد الله مطمئنة، يطمئن السعوديين على أنفسهم، ويعيد تجديد المحبة لملك استثنائي وغيور، ويحفر قبوراً لكل من ينتظر لحظة يقفز فيها على البلد.
السلوكيات العفوية هي التعبير الحقيقي والصادق، لأنها نابعة من الذات واليقين وليست نتاج ضغط أو تأثر بتوجهات معينة.
جاسر الجاسر
نقلا عن “الحياة”