كذلكَ كنتُم مِن قبلُ: “مواطنينَ” فابتلاكُم اللهُ بـ: “الوزارة”

لئن كان ثمّة شُحّاً في المطرِ- هذا العام – فإنّ غيثَاً (حقائبيّاً) مُطِرنا به (وزاريّاً) على النحو الذي ألغينا فيه سعوديّاً أُسطورةَ البيات الشتوي، إذ طفِقَ السعوديّون أمسَهم الأول يخصفونَ عليهم مِن ورقِ التفاؤلِ؛ فغوى المتشائمونَ وانقلبوا ببؤسِ سوداوِيّتهم، ذلك أنّ تعديلاً ينتظمُ ثمانيةَ حقائب وزاريّةٍ دفعةً واحدةً لا يُمكن أن يتمخّض إلا عن رؤيةٍ «إصلاحيّةٍ» ناجزةٍ، تَدفع باتجاهٍ تجديديٍّ غير مسبوق محليّاً، حيثُ أحسستُ حينَها أنّ: «المواطن» بصورةٍ أو بأُخرى كانَ أولاً هو عصَب هذا: «التغيير» في حين كان: «المواطن» ثانياّ فاعلاً في: «التغيير» ومؤثراً بالاختيار لهذه الأسماء، والتي حظيت هي الأخرى بالحقائب الوزاريّة للمرة الأولى؛ ما يعني أنّ دماءً جديدة قد ضُخّت في أوردةِ حكومةٍ يصحّ وصفها بالجديدة، الاحتفالُ بها قد تمّ تدشينهُ من لدن: «المواطنين» ساعةَ تلقوا النبأ، وكان إطباقاً جماهيرياً، غمرَ غيثُ احتفاليته الناسَ قاطبةً وعلى نحوٍ لم نشهدهُ من ذي قبل بمثلِ هذا الاغتباط الفرائحي..

من هنا يُمكنُ أن نلحظ سِمةً – ظاهرة – حكمت هذا التغيير «الوزاري» والذي جاءَ دفعةً واحدة ما يَشي بالنزوعِ الجاد إلى النهوض والإصلاح وعدمِ القبول بالوضع الراهن عطفاً على حزمةٍ من مُتغيّراتٍ يتوكّد من خلالِها أنّ لكلِ مرحلةٍ» وزراؤها».. وآية ذلك ما كان من: «توفيق الربيعة» بحسبانه كان اختياراً موفّقاً وبامتياز، وهو مَن قد أدهشَ الكلّ بنجاحاته، والتي سيكونُ لنا معها موعدٌ ثانٍ لن نُخْلَفه – بإذن الله – فيمن تقلّدوا الحقائب الوزاريّة مجدّداً، وذلك أنّ الآلية – ذات النزعة الإصلاحية – التي اختارتهم هي ذاتها التي أحسنت كثيراً حين جعلت من: «الربيعة» وزيراً.

وليسَ بخافٍ أنّ السؤالَ المركزيَّ الخاص بأيّ توجّهٍ: «إصلاحيّ» يستشرف التنميةَ نهوضاً لا بدّ وأن يكونَ: «الوزيرُ» هو قُطب رحى هذا السؤال، إذ الدولةُ هي مَن قد أناطت به تسيير أعمال: «الحكومة»؛ فالنقدُ إذ يتوجّه فيطالُ بعضَ إخفاقات أيّ تجربةٍ: «وزاريّةٍ» سابقةٍ ليس يعني- فيما يعنيه – إلا خطوةً واحدة على الطريقِ الذي ينتهي إلى ضرورةِ التأكيد على التصحيحِ، وهو من ضمنِ مشغولاتٍ قد أفرزها وعيٌ «شعبيٌّ» أسهمت أسبابٌ كثيرة في إيقاظه، بيد أنّ الحبَّ لـ: «وطنههم» هو مَن قد حرّضهم على هذا وليس شيء آخر.

وبمعنىً ثانٍ يمكن القول: إنّ كشفَ أي حسابٍ لفحص مُنجز أيّ وزيرٍ- طيلة مدة استوزاره – ليس هو بالضرورةٍ تقليلاً لعملٍ هداه إليه اجتهاده غير أنّه لم يحظ بالتوفيقِ الذي كانت: «القيادةُ» تتطلعُ إليه فيما كان: «المواطن» يتوخّاه منذ اللحظة التي تلا فيها الوزير القسم.. وإذا ما تَمَّ نقد هذا الأخير تقويماً ومساءلته تقييماً فعليه أنْ لا ينظر إلى الأمر بحساسيّةٍ مُفرطةٍ فيتعامل معها بالتالي على أنّها فجور في الخصومةِ أو استبطان عداوةٍ أو أنها لا تعدو أن تكون محض محاربةٍ لشخصه الكريم.! أحسب أنّ مثلَ هذه الظنون – الآثمة – لم يعْد لها اليوم أيّ اعتبارٍ في زمنٍ باتت الشفافيةُ فيه صراطاً مستقيماً سلوكه يمضي بـ: «الوطن» إلى حيث النجاحات الأكبر.

فيا مَن تقلّدت الوزارةَ جديداً، ما أحسبني بكبير حاجةٍ لتذكيركَ بأنّك قد كنتَ قبلاً: «مواطناً»، وما أنتَ بمنعتقٍ من هذا الوصف الأشد لصوقاً بك على الرغم من هذا: «البشت الوزاري» الذي سيثقل كاهلك، إذ: «الوزارة» جبل من حمولة أمانةٍ قد أشفق من تبعاتِها العقلاء وقَبِل بحملها مَن كان سواهم ابتلاءً .. هي إذن: (التّكليفُ) الذي ليس منه بدّ شأنها شأن أيّ مسؤوليّةٍ داخل الدائرة «الخدميّة» إذ وسدت إليك ممن أحسن الظّن بك؛ فأناط بك مسؤوليّةً لا تلبث أن تتلبّسك عبئاً ستُسأل عن مخرّجاتها اليومَ أو غداً، ولن يُعفيك من ذلك أن قيلَ هذا: «وزير» ظنّا منك – بادي الرأي – أنّ من كان في مثلِ مقامكَ فإنّه في منأىً عن أن يُسأل عما يفعل.!

سوف تُسألون – يا أصحاب المعالي- في موقفٍ لا تُحسدون عليه.. وهو موقفٌ يتطلّب (عملاً) في الإجابة عن سؤالات بحجمِ ما كُلّفتم به، إذ الأقوال وتزويقها بجماليات مفرداتِ التزّلف
لا تُغني من الحقّ شيئا.

ويجمل الختمُ ببيتين خاطبَ فيهما زميلكم الأسبق غازي القصيبي الشيخَ ابن خميس رحمها الله تعالى قائلاً:
وأقرأ ألف معروضٍ وشكوى وتقرأ أنت أشعار الرصافي
وأحمل في دمِي همّ البرايا وهمّك نصب حال أو مضاف

خالد السيف

نقلا عن “مكة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *