لنختلف مع “الربيعة”.. لكن بلا فجور!

هل أدى الانفلات الفكري والاستبداد بالرأي في زمننا الجاري إلى اتخاذ أسلوب التشنج والهجوم المدمر عوضا عن النقد الهادئ الراقي؟ نحن لا ننكر أن من المسلم به اختلاف الناس، في ظل أن الاختلاف سنة كونية. ومع ذلك ما زلنا نتساءل بحرقة عن: متى نتعلم فن الاختلاف، ومتى نكون أكثر ابتعادا عن الفجور فيه؟

المشكلة الأكبر أننا حين نرفض عملا أو نقيم آخر، فإن وسيلتنا التي اعتدنا عليها معنية بالبحث عن الانتصار وتشويه من نختلف معه، أكثر من محاولة التعديل والتوجيه بالحسنى.

نعم، فقد خاطبنا عبر هذه الزاوية الوزير الدكتور توفيق الربيعة، وحذرناه من الإعلام ومحرقته، ولم يثننا ذلك عن ذكر ونقد بعض ما يتردد من سلبيات عملية في توجهه العملي عبر وزارته، وفق إيمان منا أن للوزير إيجابيات كثيرة، وعملا كبيرا، لكننا تمنينا أن تكتمل بتجاوز الخلل القليل فيه. ولكن حينما يكون اختلافنا تزويرا واستعداء، وضربا في العقيدة والتوجه، انطلاقا من خلاف فرضه تصور غير منطقي من المنتقد؛ ففي ذلك نظر!

القفز إلى أقصى الذم بات سبيلا للانتصار، ومنه وفيه نيل رضا القارئ أو من يهمه الغمز في المنقود، وحينما نترك عمل الوزير ونبحث في أشياء يتفق الجميع على أنها غير حقيقية، ولا تستند إلا إلى فلسفة كتابية لم تجد بدا من محاولة تشويه الحقيقة، فإن في الأمر بحث بين السطور، لإيجاد متسع لقراء أكثر يتساءلون عن أشياء لم يكن يعلمونها لأنها غير صادقة، وإنما أريد بها أن تكون لافتة للكاتب مشيرة إليه على أنه البطل الذي رفع القناع وكشف “المتخبي”!

الوزير أمامنا كما غيره ممن وضعوا في أماكن من أساسياتها أن تكون أعمالها متاحة للجميع، لها ما لها، وعليها ما عليها، كشخصية عامة تعنى بشأن عام، لكن أن تستعدي عليه باستدعاء ما يخشاه الأغلبية ويرفضونه، فنحسب أن ذلك من ضروب التوجيه الذي لم يدرك صاحبه مدى سوئه، خاصة إذا كان الوزير من تُعرف أفكاره وتوجهاته، لذا كان الاتهام بضاعة فاسدة، حق أن يرد عليها وتوقف عند حدها.

ما حدث للدكتور توفيق ذكرني بكثير مما روج عن المرحوم الدكتور غازي القصيبي، حين أصلح كثيرا من شأن وزارة الصحة، وباتت الشركات المشغلة والأخرى المعنية بالأدوية والتجهيزات تحت خطر الطرد، فلم يكن أمامها إلا استخدام بعض مرضى العقول للترويج أن المرحوم ذا فكر لا يلتقي مع كل ما هو إسلامي، وانطلقوا من خلال هذا التوجه لملامسة أحاسيس الناس وتدينهم لأجل إبعاد القصيبي، فكان أن نسوا كل الإيجابيات، وعملوا على تشويه عقيدته رغم إدراكهم بما هو عليه القصيبي من نبل ورقي، لكن المصلحة الدنيوية دعت إلى الفجور في الاختلاف!

ختام القول، إن هناك فرقا شاسعا بين الاختلاف والفجور، فاستدعاء الفتنة لأجل التأليب على الرجل هو الشر بعينه، ولا يعني رفضنا لتوجه عمل من وزير أن نستعدي عليه بما ليس فيه، لنقلب الحقائق ونقدم الذرائع للناس أنه من توجه فكري ترفضونه.

مثل ذلك قد نجح جزئيا ضد القصيبي ـ رحمه الله ـ إلا أنه مع الربيعة وفي ظل الثورة المعلوماتية عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد يجعله أكثر قوة وتقدما، لأن الناس باتوا أكثر وعيا ويعلمون أكثر مما يعلمه بعض المعنيين بالكتابة الصحفية.

مساعد العصيمي

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *