السعوديون يرقصون الباليه!

نعم يفعلون! لكن من دون قصد. السعوديون راقصون فنانون، وما التفحيط إلا دلالة على ذلك، فهو معزوفة موسيقية خطرة تتكئ إلى مهارات إبداعية موسيقية تتقاطع مع العام الظاهر، إلا أنها تتغذى على وجدان نشوة سري حتى إن كان الصوت قادماً من حنجرة خشنة.

السعوديون تربوا على الكبسة ومتطلباتها من الأصابع الخمس، فلا يعرفون سوى استخدام القبضة كاملة، سواء في الأكل أو الضرب، أما الأصابع فلا تتجاوز مهمتها التشهد واستخدام الكمبيوتر، وإن كانت تختلف في كل حال ما بين النقاء والخبث.
يرقصون الباليه في الشوارع عبر سياراتهم التي تتطلب اليدين معاً وكلما كثرت الأصابع تناغم الإيقاع، لأن الثقافة الجمعية لا تعرف معنى الفردية، علماً بأن المسلمين أوجب وأقرب الناس إلى الفردية بحكم التشهد، فلا توجد في ثقافتهم الأصلية علامة النصر أو علامة «رابعة».

حال مشاهدة طريقة قيادة سعودي في أحد شوارع المدن، خصوصاً حين يطمئن إلى عدم نبات ساهر وغياب المرور يدرك أن الرقص مهارة طبيعية سواء تجسدت عبر الجسد أم ضاقت بها السبل فاضطرت إلى أن تجعل من السيارة راقصة.
السعوديون لا يحبون موسيقى الأصابع، لأنها تهمش إخوتها، لذلك ساد العود، لأنه يحيل الأصابع الخمسة إلى ريشة واحدة تستمد جذوتها من المجموع وتتشكل عبر نغمة مشتركة لا يصنعها الفرد كما هو حال البيانو الغربي الذي يصنع هيبة الإصبع متجاهلاً سطوة القبضة.

السعودي الذي يصنع إيقاعاً بسيارته لا يمكن رصد خريطته الموسيقية إلا عبر مراقبة جوية، يقدم موسيقى غامضة وفردية متحررة من كل القواعد فلا يحكم إيقاعها سوى مشهد الشارع ودرجة ازدحامه. في الباليه لا فضل لأصابع اليدين، إذ تشترك معها القدمان فتتناغم الأصابع كلها من جميع الاتجاهات في صناعة الرقصة. القيادة المتهورة ترتكن إلى جميع الأصابع، وتعتمد على التناغم بين حركتها وسرعة استجابتها إلى كل الظروف والاحتمالات. الباليه ظل فناً مغلقاً ونخبوياً، سواء في رقصاته أم موسيقاه، ولو كان السعوديون يعرفون سر الموسيقى لكانت اختراقاته المرورية تأسيساً إلى أعمال فنية متفردة. السعوديون لا يرقصون علانية لأنهم يتحرجون من ذلك، فيبتدعون وسائل بديلة أبرزها وأبعدها عن الشبهة هي طريقة القيادة في الشارع ينفذها الشباب وإن كانت النهاية غالباً الاحتجاز والغرامة.

لا شيء يرتبط بالعرب سوى الشعر ولا ذاكرة لهم سواه، وهو شكل جاف من الموسيقى، وإن تبلورت صورته في الإيقاع بشكل أساسي.

الجاذبية الموسيقية السعودية تتجسد في خالد عبدالرحمن أكثر من محمد عبده، لكنها لو استهدت إلى الباليه لأبدعت وتفننت لأنها تملك المرونة واللياقة والرشاقة ومهارة دمج الأصابع في إيقاع واحد.
الباليه جماهيري وكذلك استعراض الشباب السعوديين. إيقاعها يعتمد على الجماعية وكذلك الإيقاع السعودي بدءاً من العرضة النجدية.

السعوديون لا يعرفون الديموقراطية ولا يثقون بها وربما يعارضونها لكنهم يعيــشونها جــوهراً وأصـلاً وممارسة عفوية.
هل توجد ديمــوقراطية جـوهرية أكثر من هذه الديموقراطية؟

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *