مكافحة التطرف… في “المربع الأول”

التطرف المستتر نتناول أشواكه وهي بالغة الأثر والتأثير، والسكوت عنه طيلة عمر طويل عائد إلى غياب التعريف الحقيقي لمفردة «تطرف» وتمييعها بخبث، ولا سيما أن ثمة سقوطاً مفاجئاً وبلا مقدمات لمصطلحات كانت في حاجة إلى التمهيد والشرح وتقديمها على طاولات الخطورة والخوف والريبة، نيابة عن مرورها وديعة هادئة، باعتبار أنه لا شيء يستحق أن نعرفه عنها أكثر من إضافة شكلية إلى مخزون معرفي هش.

لو طلبت من أحدهم أن يشرح لك ماذا يعني التطرف؟ أو يقدم ببساطه شديدة مفهومه عنه، لتأكدت من أن مصطلح التطرف دخل الأجواء المحلية في مشهد ملغم مجهول، وبات التحذير منه بوصفه مصطلحاً في إطار تنظيري عام لا يصل بنا إلى نتيجة واضحة أو يضع النقاط المناسبة على الحروف المحتاجة، ولنظل منذ تذوقنا مرارته في مربع التحذير منه، من دون أن نقفز إلى مربعات أكثر فعالية ومن الأجدر أن نذهب إليها فعلا.

السؤال الساخن يقول: هل لدينا تعريف صريح واضح شامل لمفهوم المتطرف؟ ما أراه أننا نظن أن ثمة معنيين، عاماً لا يعنينا، وآخر تستدعيه لوازم الخصوصية السعودية، وحاجتنا الماسة إلى تفكيك الضمائر المستترة والأدمغة التي تمكنت من اللعب على أطراف هذه المساحة الملغمة، بينما الملموس أننا نسافر مع المعنى الذي نعتقده عاماً ولا يعنينا، ونضيق دائرة التعريف السعودي لتكون دائرة الانجراف في تنظيمات مشبوهة أو الطلب بقوائم إرهابية معلنة.

هل يحصر التطرف في التعريف الدارج الشهير، وأنه استخدام «وسائل غير مقبولة من المجتمع، مثل التخريب أو العنف للترويج لجدول أعمال معين»؟ إن حصره في هذا التعريف ممهد لنمو متطرفين محليين لا يتحركون في هذا الإطار ولا يقربهم اتهام ولا مساءلة، لكنهم يدفعون بمن يتحرك ويلعب في بطن التعريف، بعد نزع العقل تماماً بمباركة دروس التحريض والتجييش والحقن.

معلوم تماماً من هم أكثر الذين يمارسون التطرف في بيتنا السعودي، وقد نراوغ ونختلف ونغضب إذا ما ذهبنا بهدوء لسر هذه الممارسة وما المكاسب التي يراد من ورائها، ولا أظن سعودياً يجهل السر والمكاسب، وإن جهلها فذاك يقود إلى أن هناك من يعبث به في الزاوية التي يعبث بها ممارسو التطرف وصانعو طائراته الورقية الساقطة مع الوقت، ولا أظن السعودي أيضاً يحب أن يكون فريسة لذئاب خارجية جائعة، أو جسداً فارغاً يوجه لمخططات الدفاع بالنيابة، وتجارب قطع الرؤوس وقذارة الأحزاب والجماعات، المجتمعة على مصلحة والمتفرقة على مصلحة أخرى، لكن بيننا سعوديون متطرفون بالسر، يعجبهم أن يحترق السعودي لأجل نوايا سامة، وأهداف للإطاحة بكيان وتراب.

قد تصنع الرياضة متعصباً، وقد تجتهد المدرسة لبناء متعلم، وقد يسهم الشارع في تنشئة «شوارعي»، وقد تقنعنا الشاشات بـ«رمز»، وقد تضحك علينا دكاكين بيع الكلام بـ«مناضل»، لكن الظروف الحرجة والتحديات المصاحبة لها شرحت لنا كم من وطني «مزيف» وكم من متطرف مسكوت عنه، لأننا لم نصل بعد إلى آلية ضبط جريئة عن المتطرف السعودي ظاهراً كان أم مستتراً، ومانزال في الدائرة الضيقة والاتهام المطاط بالتطرف لمن يُضْبَط صراحة في فعل إرهابي، أو ينزلق لسانه بجملة لا تقبل التأويل ولا التبرير، لتظل حماستنا في جمل التنظير من دون أن نذهب إلى ما هو أدق وأخطر في مأساة «التلوث الفكري».

على القاسمي

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *