جدة.. من حفرة لـ “دحديرة”

في أقل من شهر ونصف الشهر، وبعد أن ذهب أحد الآباء وابنه ضحية لحفرة صرف صحي في جدة، الأسبوع قبل الماضي يلحق بهم أحد الطلبة في المرحلة الثانوية من مدرسة سعيد بن جبير الثانوية بجدة، وكالعادة بدأ الجميع يتقاذف المسؤولية في أمر حفرة الصرف الصحي، بين أمانة جدة والمدرسة، الأمانة تقذفها على المدرسة والمدرسة تقذفها على الأمانة والموتى عظّم الله أجركم فيهم، والقضاء والقدر بات سيد الموقف، والعبرة والعظة مكانها حفرة لردم المسؤولية بين الجميع، والصمت بعدها أسهل الأجوبة.

في مقالتي التي كتبتها هنا عن موت الابن ووالده في حفرة الصرف الصحي وكانت بعنوان: «أحداث ساخنة»، قلت: متى سننتهي من سياسة التنصل التي أزهقت الأرواح والأبرياء؟ ومتى ننتهج سياسة تفعيل العقاب ضد كل جهة أو فرد أو جهات عدة، أمنت العقاب فاستسهلت الإهمال؟ وما زال السؤال قائماً ولا إجابة، ولا عظة، ولا من يعبأ أصلاً بمثل هذه الأسئلة، التي ضجت بها أقلام الكتاب من الجنسين مع كل مأساة يتعرض لها المواطنون.

ربما لأن حياة المواطن لم تعد تهم بعض المسؤولين الذين أصبحوا مجرد حصالة يقبضون رواتبهم نهاية كل شهر، من دون أن يباشروا أعمالهم التي هي من أجلستهم على هذه المناصب.

أضف إليها عدم المتابعة والعقاب، التي جعلت الفاسدين يجترئون على الفساد في كل مكان، ومثال ذلك مشروع تصريف مياه الأمطار الذي بدأ في جدة بعد الكارثة الأخيرة، وما أن هطلت الأمطار على جدة أخيراً، إلا وتكشفت عورات هذه المشاريع في كل من مكة المكرمة وجدة والطائف، ومثلها في منطقة جازان، وحتى مدينة الرياض التي عانت العام الماضي من هذه المشكلة، ويظهر ذلك أن هناك عدم جدية في مواجهة هذه الأخطار، التي تعاني منها كل المدن السعودية تقريباً.

فكل بلدان العالم وحتى الفقيرة مثل: إندونيسيا، وبنغلاديش، مثلاً، والتي تهطل فيها الأمطار بصورة مستمرة لا تجد بعدها هذه الغدران، ولا البرك من المياه التي تركتها الأمطار، ولا تغرق الناس في شبر ماء كما يقول المثل المصري، أما في الغرب فحدث ولا حرج، سواء في كيفية تخطيط المدن، أم في مرافقها، أم في اهتمامها بالصيانة والمتابعة، أم في طريقة تعاملها في المحافظة على الشوارع، ولن تجدها في كل يوم تحفر، وتكسر، بحجة إصلاح الشارع، أو توصيل الكهرباء. في الغرب إن حدث مثل هذا تجدهم يصلحون الخلل من دون الحاجة إلى تكسير الشوارع وتدميرها.

يعرف المواطن أن الشركات التي بيدها مشاريع الإصلاح تتحايل على الدولة لتعبئة فاتورة الإصلاح بالملايين، وليعود الخلل نفسه في أقل من أسبوع.

ربما يقول بعضهم: ليس هذا من الفساد، فما هو الفساد إذاً؟ سرقة المشاريع، وعدم تنفيذها بأمانة، والإهمال، وعدم المتابعة، هل هذه من أبواب الإخلاص والأمانة، والخير؟ سئم الناس من عبارات التبرير، وتقاذف المسؤولية. يجب أن يوضع حد لهذا الاستهتار بهيبة الوطن وحياة الناس، بتحديد من تقع عليه المسؤولية عندما تقع حادثة.

زينب غاصب

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *