“السكّريون” سادة النجاح الإداري

مريض السكّري مجند ملتزم طوال الحياة لا يكسر ضوابطه إلا حال الموت، دقيق في مواعيده مثل ساعة أصيلة لا تخون، باحث مجتهد ودؤوب لمعرفة تطورات المرض وسبل علاجه ومتابعة الجديد فيه، الأكثر خبرة بالأغذية الصحية الطبيعية منها والمصنعة، في الغالب يمارس الرياضة بدرجات مختلفة، لديه استشعار عالٍ بالمخاطر والأضرار وسريع الاستجابة لها، صريح وصادق تجنباً للحرج الاجتماعي من تناول أطعمة قد تضره، يتمتع بذاكرة نشطة حتى لا ينسى أدويته ومواعيد تغذيته، متعاطف عقلاني مع الآخرين بحكم التجربة والمعاناة، يعتمد على المعالجة المباشرة وطويلة لوضعه الصحي، لا يؤجل عمله إلى الغد، يتأقلم مع الأحوال المختلفة، يتعايش مع العدو بمهارة وحنكة في حرب استنزاف طويلة، ميال للتحدي حتى لا تضعف إرادته ويخسر حياته. باختصار هو محارب يتربص به الخطر كل لحظة فإن غفا أو تكاسل كانت النهاية.

هو يفعل ذلك اختياراً أو ضرورة، لأن تراخيه سيؤدي إلى العقاب المباشر مثل الغيبوبة والإرهاق والخمول، والعقوبة المتأخرة ومنها الفشل الكلوي والعمى وبتر الأعضاء وسواها فنظامه الصارم لا يعرف الواسطة ولا يقبل الأعذار فلا يعرف غير الالتزام والجدية.

الصامدون من السكّريين يحملون مؤهلاً تأهيلاً عالياً بالطبيعة لأنهم قاوموا أعواماً من المواجهة اليومية، ونجحوا فيها بحكم التدريب المستمر وهو ما لا توفره أية جهة حتى العسكرية الشديدة الانضباط.
السكّريون نصف السعوديين تقريباً، منهم المستجدون، ومنهم ذوو الخبرة الطويلة الذين يفوقون زملاءهم الأصحاء في المهارات، وإن كانت مدرجة على قوائم التوظيف والاختيار على رغم أهميتها وتأثيرها الفارق في العمل وضوابطها التي لا يمكن تحقيقها إلا عبر أعوام من التدريب المكلف مع غياب ضمانات النجاح.

«السكّري» مثل خريج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الذي تتسابق عليه الشركات حتى إن كان تقديره أقل من زملائه خريجي الجامعات الأخرى ثقة بمعايير الجامعة وطرقها العلمية الرفيعة التي تنتج شباباً مجدين وملتزمين ومبتكرين، فإذا كان الخريج يحظى بهذه الأفضلية نتيجة التقدير الخاص للجامعة فإن السكّريين لا يقلون عن ذلك ما يجعلهم أعلى طبقة إن تساوت المهارات والدرجات. لو حدث ذلك لزادت الإنتاجية وارتفع أداء الموظف وتقلصت حالات الغياب والتسرب وتحسنت معاملة الجمهور وطالبي الخدمة فضلاً عن تأثيره الإيجابي في معنويات مريض السكّري ما يحسن حاله الصحية، ويقلل حالات التوتر والعصبية التي ترفع معدل السكّري وتدمر النسيج العصبي.

ليس كل السكّريين نشطاء، فبينهم من يستسلم للمرض ويخنع له، وهذا خطره أشد وضرره أمضى لذلك، فإن التفريق والفحص مهمان لتجنب الخطأ حتى إن اقتضى الأمر سجلاً طبياً يبين مدى انضباط طالب الوظيفة في المحافظة على معدل مستقر من السكّر في الدم.

بما أن «الصحة» لا تهتم بعلاج السكري والعناية بمرضاه وتزويدهم بأحدث المنتجات التي تخفف معاناتهم فهم يستحقون -على الأقل- تقديراً اجتماعياً حتى لا يجتمع عليهم المرض والإهمال، فيتهاوى نصف السعوديين ومن سيلحق بهم في المستقبل حينها لن تكون للتنمية معنى إلا أن أضحت البلد مشفى كبيراً!

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *