مخدرات MB3
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
إنه النصر العظيم، على غرار نصر الله أبوحسن الذي أزعجنا به، وأن لنا أن نحتفل بنصر حقيقي لا مزيف على غرار انتصارات «فئران الضاحية»، والأهم أن هذا النصر لم تُرَقْ له دماء، ولم تزهق لأجله الأنفس، بل كانت في قمة متعتها وانتشائها، إذ يشهد التاريخ اليوم أن أجدادنا سبقوا الغرب بمراحل، وكانوا أكثر ذكاءً من علمائه، عندما أوجدوا «المخدرات الرقمية»، ومن دون اللجوء إلى مضخمات صوت ومستلزماتها، والأهم من دون الحاجة إلى «سماعتي رأس» ليدخلوا مرحلة النشوة، فالزار والسامري والتجمعات الصوفية كانت قادرة على الوصول إلى النشوة بشكل أسرع، ولا أعتقد بأن أحداً من العلماء يستطيع أن يتصور كيف «يستنزل» شاب وينتشي من دون أجهزتهم المعقدة، فالبث الحي شرط للاستنزال.
هذا غيض من فيض، في ما يتعلق بالمخدرات الرقمية، والسبق المسجل باسمنا، لكن، ما هذه المخدرات؟ أهي خرافة أم خزعبلات؟ مثلما قال مساعد مدير مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية وأمين اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات الدكتور عبدالإله الشريف.
دعونا نوضح ولو قليلاً مما يتوافر عن هذا النوع من المخدر، فهو موسيقى صاخبة، تأثيراتها في الحالة المزاجية تحاكي تأثير الماريجوانا والحشيش والكوكايين، وتتطلب عادةً ملابس فضفاضة وإضاءة خافتة، وسماعة رأس تبث نغمتين مختلفتين في الوقت ذاته، تنقل المستمع إلى اللاوعي وتقوده إلى الانتشاء، وبطبيعة الحال مع الوقت إلى الإدمان.
إذاً باختصار هذه هي المخدرات الرقمية التي تأتي بصيغة MB3، وتُسوَّق عبر الإنترنت. الآن دعونا نتخيل مشهد الاعتراف بالمخدرات الرقمية، فأول الإشكالات التي قد نصادفها أن تجار هذا النوع من المخدرات سيعمدون إلى ترويجها، فعلى سبيل المثال، قد تفتح قنوات في مقابل اشتراك تعرض مثل هذا النوع من المخدر، والأخطر أن تخصص أرقام هاتفية؛ لتزويد المتصل بجرعة منه، أو قد نجد أنفسنا أمام معضلة مخدر يباع بواسطة «سي دي» أو مشغل MB3 أو «يو إس بي». في المحصلة نحن أمام وسائل متعددة؛ لترويج هذا النوع من المخدر، وهذا يبشر بصراع من نوع آخر، بين تجار وموردي المخدرات التقليدية ومتعاطي «الصنف الجديد»، فهذا الأخير لا يتطلب إلا ضغطة زر فقط، بينما التقليديون يبحثون عن مكان يتوارون فيه عن الأنظار.
صورة أخرى قد تصادفنا في محاربة هذا المخدر، فهناك من هو قادر على تمييز التقليدية منها، مستغلاً حاسة التذوق، فيما هنا نحن بحاجة إلى أشخاص متمكنين في حاسة السمع، وأعتقد أنه ليس هناك أفضل من لجنة تحكيم «أراب آيدول» للقيام بهذا الدور، فإلى وقت قريب كنت أستغرب انتشاءهم إلى أن علمت عن المخدرات الرقمية، فكان ذلك كفيلاً بتفسير الأمر بالنسبة إليَّ.
أخيراً تكمن الخطورة في الاشتباه، وهذه من المعضلات لدينا، إذ سبق أنني لم أَرُقْ لأحد رجال الأمن في طريق سريع، فاستنفر فرقته لتفتيش مركبتي بطريقة استُخدمت فيها كل وسائل التخريب المتعمد وغير المتعمد، أملاً في العثور على أي نوع من المخدر، لدرجة أنني سألت أحد الأفراد بعد عملية تفتيش استمرت زهاء الـ45 دقيقة، إذا ما كانوا بحاجة إلى مساعدة، لكنهم أكدوا أن فيهم «الخير والبركة».
إذاً فالاشتباه لدينا من الكوارث؛ لأنه يحكم عليك بالاتهام إلى أن تثبت براءتك. حسناً ما الذي سيُقنع مثل أصحابنا أولئك إن ضُبط أحدهم وهو يضع سماعة رأس وبحوزته جهاز تشغيل MB3 لا يعني أنه يتعاطى مخدرات رقمية، وكيف لك أن تقنعهم أنك تستمع إلى «مزعل فرحان» وأنه لا يندرج تحت بند هذا النوع من المخدرات، كما أن تلك المخدرات الرقمية أصلاً قد تكون مغشوشة، ويصعب التفرقة بين الأصلي والتقليد، ولا سيما إذا ما كانت هذه الأخيرة «ريمكس» أي مخلوطة.
قل لي موسيقاك المفضلة، أقول لك أي مخدر تتعاطى، فلا أخفي عليكم أنني اضطررت إلى أخذ جرعة «من تلك الأغاني»؛ لكتابة هذا الموضوع، فخرجت بنتائج أننا أمام قضية متشعبة وما يدعو إلى التساؤل هو تصريح مدير مستشفى الأمل في جدة بأنه ليس لديه إمكانية معالجة هذا النوع من المخدرات، في وقت تحوم فيه الشكوك حول وفاة أول حالة بسبب هذا المخدر، وأثناء بحثي عن هذا النوع من المخدرات لجأت إلى «قوقل» فعرض لي نتائج بحث تتجاوز 38 مليون نتيجة ما بين عربي وإنكليزي، ويأتي بعد ذلك مسؤول في مكافحة المخدرات ليقول عنها خزعبلات، على الأقل «جاملهم».
سعود الريس
نقلا عن “الحياة”