رمضان يودعنا.. ماذا نقول!

أحمد بن عبدالله الحسين

حينما يودعنا رمضان نذكر تهلَّل الوَجْدُ في مقدمه، وتوالى أيامه بروح وريحان، وفيه نفوس تصفو، ورحمة تدنو، وصلاة وتلاوة ودعاء يَرْنو، حسنات فيه تتكاثر، والخير معه يتسع ويتناثر. هو خفيف على النفس، محمود الوصف، حبله السّرّي مرتبط بالعوالي والملكوت، وينعم فيه الغني والفقير. هو سريع المضي وما ذاك إلا تعلق به، ورغبة بمكثه وإرتشاف أجره.

هكذا السنوات ناموس يطوي، ورمضان يحل ويرحل. والأعمار مثل رواحل يركبها البشر، طوبى من كان رمضانه فيه نفع مستهدف، يأملوا فخر خواتمه وترقب جائزته. وأسى لمن هزل فيه وترك، حيث أيامه منهوبة. وهنالك من ملئ فيه محمود ومذموم، عسى الله أن يتوب عليهم.

مضامين رمضان لها أحافير في النفوس محمولة، صالحات وصدقات، وبرّ في الصلوات. تتأكد وتزيد بعد رمضان. وهنالك من مسحت الريح آثار رمضان ومساره، فهو حل عنده ورحل. واليقظ له طواحين محملة بمعرفة وإدراك، يتلمس فيها بواطن العبادات ومنها صيام رمضان، يفهم نفعها، وأي مطمح في الآخرة هو يُريد. وله يقين أن من تاب في رمضان وعزم هو يُولد من جديد.

تتابع الأعوام يُرسم عند الحكماء والعقلاء مبدأ الفائل وحسن الظن، والأمل الأكيد، والبحث عن نور جديد، وإدراك دوام الحال من المحال، وأن الغيب يدّخر في طياته ما لا نعلم رغم الغفلة. ولهذا لا أحد يعلم أيلحق رمضان آخر أم لا، المنية أقرب لأحدنا من شِسْع النعل.

معمر السنين يحفر هاجسه اخترام العمر، واقتراب رحلة الحياة القصيرة من نهايتها، هي روح تُظلِّل الفطين في كلِّ منعطف من منعطفات الأيام حلوها ومرها. وكأن حال من تقدم به العمر يسمع همس غمغمة يشبه أحيانا أصوات أبطال في وغى قتال وذعر ثيران، وغريق تحت ماء تداكأت فوقه أمواج.

خلوات المحاسبة عافية إذا فيها طموح رغبة الصلاح، لا هدم يتوارى بضعف من هوى وغفلة. رمضان يُحذر من عبر الزمن به إذ يقول؛ هناك صائم فَرَط قيده، واختلط صيده حابل بنابل كثوبٍ أفلت خيطه، حال لا يدوم، والزمن يودي به.

قافلة الزمن يعلو فيها من جدّ وسعى، ويخيب فيها من بغطيط نومه غافل. الأمل يحدونا مثل قنديل له براق يتدلى يحتاج حاملا وناقلا، لا يأس يلفه بلِحافه المهترئ البالل. اللهم رحماك وأنت ربنا القائل: وقل جاء الحق وزهق الباطل.

اللهم بلغنا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة، اللهم لا تجعله آخر عهدنا بالصيام والقيام والقرآن، واجعله شاهدا لنا لا علينا يا رب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *