التحالفات تتبدل وفق تغير المصالح ( الحلف السعودي الأمريكي أهم حلف في العالم )

د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

كيف تحولت الصين من إحدى أفقر الأمم إلى قوة عظمى فرضت تبدل التحالفات وفق تغير المصالح، قفز ناتجها المحلي من 2 تريليون دولار عام 2000 إلى 12.5 تريليون دولار عام 2020 بفارق أكثر من 10 تريليون دولار، بينما قفز الناتج الأمريكي من 12 تريليون دولار عام 2000 إلى 18 تريليون عام 2020 بفارق 6 تريلونات دولار فقط، بينما في عام 2024 وصل الناتج الصيني بنحو 18 تريليون دولار بينما بلغ الناتج الأمريكي نحو 23.4 تريليون دولار اقترب الفارق بين البلدين لكن تبقى الفجوة التجارية بين الولايات المتحدة والعالم أكثر من تريليون دولار وبشكل خاص مع كندا بنحو 15 في المائة والمكسيك بنحو 14 في المائة والصين بنحو 13 في المائة وكذلك مع ألمانيا واليابان ودول أخرى كثيرة، وإذا استمرت الفجوة في الاتساع فستفقد الولايات المتحدة هيمنتها العالمية.

رفض قادة الاتحاد الأوروبي الانسياق خلف الاملاءات الأمريكية بشأن المضي في نهج الانفصال عن الصين، وإن كانت المواجهة بين أمريكا والصين لا تصب في صالح الاتحاد الأوروبي خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي مهتم بشكل انتقائي خصوصا في مجال الصناعات الخضراء، يرون أن التحول الأخطر في أوروبا سيكون مستحيلا من دون الصين وبشكل خاص في الخلايا الشمسية، بطاريات أيون الليثيوم، المركبات الكهربائية، خصوصا وأن ترمب يرى أن تكتل الاتحاد الأوروبي يقف ضد مصالح الولايات المتحدة وبشكل خاص التجارية وسيضع ترمب رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السيارات والسلع الأخرى.

يبدو أن أوروبا لم تهتم كثيرا بانتقام الجغرافيا ومؤامرة التاريخ، وكانت تعتقد أنها بمنأى عن عودة الحروب إلى منطقتها، وستستمر فقط في منطقة الشرق الأوسط وفي بقية العالم، ولم تتنبه إلى أبعاد نظرية الاحتواء الأمريكية للاتحاد السوفيتي خلال زمن الحرب الباردة، وأن روسيا التي تمتد من الشرق إلى الغرب عبر 11 منطقة زمنية تهتم بالمحيط المباشر إما اتباعا أو عدوا، ومنذ بطرس الأكبر سعى إلى تغريب روسيا، ومن لينين إلى بوتين هناك اهتمام بالمحيط المباشر، وظهرت هناك نظريتان حول هذا الجانب كنظرية ماكندر الذي يرى من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على قلب روسيا، وحاول تطبيق هذه النظرية هتلر لكنه هزم، فيما يهتم الغرب بنظرية الإطار الرملاند من خلال انضمام أوكرانيا إلى الناتو أي إضافة 1333 كلم حتى يصبح بحر البلطيق بحيرة للناتو بدلا من ممرا لروسيا، خصوصا إذا انضمت فنلندا والسويد تصبح أوروبا تحت العباءة الأمريكية باعتبار أن السويد تسيطر على قلب البلطيق وتصبح المياه الدافئة خارج سيطرة روسيا، وألمانيا ساعدت فلاديمير لينين العودة من منفاه السويسري إلى روسيا على متن قطار يمر عبر كل من السويد وفنلندا حتى مدينة بطرسبرج يسمى بالمحيط المباشر، فالعقل الجيوسياسي الروسي يعتبر أنه لابد من وجود منطقة عازلة، لذلك اتجه بوتين إلى احتلال أوستيا وأبخازيا في جورجيا عام 2008، واحتل شبه جزيرة القرم عام 2014، وفي فبراير 2022 قام بحرب في أوكرانيا بسبب أن أوكرانيا تود الانضمام إلى حلف الناتو ولم يقم الاتحاد الأوروبي بمنع هذا الانضمام.

تود أمريكا التفرغ لمنطقة الأندوباسفيك المنطقة الثانية للصراع مع الصين، فكما زار نيكسون الصين عام 1972 لتفكيك التحالف الصيني السوفيتي ومحاصرة الاتحاد السوفيتي الذي نتج عنه تفكيكه لكن خطر روسيا لم ينتهي، كذلك اليوم تود أمريكا تفكيك التحالف الروسي الصيني الإيراني لمحاصرة الصين، وكانت السعودية القلب ومحور هذا التفاهم لنزع فتيل الانجرار لحرب عالمية ثالثة بسبب امتلاك روسيا أسلحة استراتيجية، لذلك يعتبر الحلف السعودي الأمريكي أهم حلف في العالم في الوقت الحاضر، خصوصا وأن السعودية تشرف على تحقيق الممر الهندي الأوروبي هدف الولايات المتحدة أن يزاحم الحزام والطريق الصيني، لكن السعودية ترى أن الشرق الأوسط في قلب هذه التحولات العالمية، وهي فرصة للالتحاق بالعالم المتقدم، حتى وإن كان ظاهر هذه التحولات رسم خريطة العالم لصالح الولايات المتحدة.

وصول رئيس وزراء بريطانيا كيرستارمر إلى واشنطن قبل يوم من وصول زيلينسكي سبق الزيارتان زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون، كرر الرئيس ترمب أن الاتحاد الأوروبي عدو لإيذاء الولايات المتحددة في مجال التجارة، وألغى وزير خارجية أمريكا ماركو روبيو اجتماعا مع الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي رئيس الوزراء الاستوني السابق كاما كالاس لأنها وصفت انهاء الحرب بالصفقة القذرة، منتقدة واشنطن طلب أوكرانيا بالتخلي عن طموحاتها بالانضمام إلى الناتو وتقبل بقاء جزء من أراضيها تحت السيطرة الروسية بشكل دائم، ورفض ترمب طلب رئيس الوزراء البريطاني كيرستارمر منح ضمانات أميركية لأي اتفاق لوقف النار مع روسيا في أوكرانيا لكن الرئيس ترمب أصر على أن أوروبا هي من تقدم تلك الضمانات، عدا الأوربيون التعامل الأمريكي مع أوروبا تغييرا جذريا.

خصوصا بعد خطاب نائب الرئيس الأمريكي دي فانس في ميونخ منتصف فبراير 2025 أيد حزب متطرف في ألمانيا هو وأيلون ماسك بنقطة تحول في العلاقات عبر الأطلسي، بل حتى المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتش تساءل عن استمرار المظلة النووية الأمريكية وما إذا كان التحالف يستمر في الوجود، وقال ستكون أولويتي المطلقة تعزيز أوروبا في اسرع وقت لتحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة عدت تكرارا لتصريحات انجيلا ميركل عام 2017 لكن لم تتحقق توجيه السياسة الأمنية الأوروبية، وهناك بعض السياسيين طالبوا بابتلاع انتقادات ترمب والحفاظ على علاقة سليمة بين الجانبين.

أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا

نقلاً عن صحيفة (بيروت تايمز) 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *