يوم التأسيس.. شروق شمس وارفة

أحمد بن عبدالله الحسين

يوم التأسيس هو شروق شمس وارفة، وتحوّل في شبه الجزيرة العربية، يوم فيه احتفاء ذكراه واستلهام درسه، وامتداده الذي تتوج بولادة المملكة العربية السعودية.

التأسيس نتذكر فيه الإمام محمد بن سعود بن مقرن الذي ولد عام 1090هـ/1679م. وفي الدرعية نشأ وترعرع، شاب لازم والده في إمارة الدرعية، وأخذ بواكير تجربته ومِراسه. ذاد عن إرث سلالته، وبذل جهده في تكوين إمارته. وبحكم الإمام محمد بن سعود تم تأريخ بداية تأسيس الدولة السعودية، والدرعية عاصمته، وموقعها في سرّة أقليم اليمامة على ضفاف وادي حنيفة المتعرج، وكان يُعرف قديما باسم وادي العِرْض، الذي حدثنا الأصمعي عنه قائلا؛ “أخصب ذلك العِرْض وأخصبت أعراض المدينة وهي قراها التي في أوديتها”. قدر الدرعية أنها تتسامر وتتشامخ مع جبال طويق، سلسلة جبلية تتموضع في قلب نجد. سُميت تصغيرا لطوق لأن مرتفعاتها تشبه الطوق، أمكنة تحاوطها وحولها عرفت توطن بشري يعود لتأريخ سحيق. جبال طويق كانت مرتع خيال خصيب للشعراء قدحت قرائحهم.

وما أجمل ما خاطبها الأديب عبدالله بن خميس قائلا؛
يا أيها العملاق زدنا خبرة
عمن أقاموا في ذراك معاقلا
واقصص علينا اليوم من أخبارهم
ما ثم من أحد يجيب السائلا

ويكفي أن جبال طويق تربعت على مجاز وصف، وغور معنى حينما أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته في مؤتمر مبادرة الاستثمار في الرياض عام 1440هـ (2018م)، قائلا؛ همَّة السعوديين مثل جبل طويق.

هكذا الدرعية بموقعها وإرثها، مُلهمة تملئ الأعطاف عزة وقوة. وفيها بُذرت عبارة أهل العوجاء أو العوجا نسبة لها ترجيحا. وبها يتعالى ذكر الموروث الشعبي في صيحة حرب عند أهلها.
يتعالى هذا التمظهر ويتخدد في الذاكرة، صدى ذلك كان عند الملك فهد حينما قال؛
حنّا هل العوجا ولابه مروات
شرب المصايب مثل شرب الفناجيل

لا عجب بكبرياء تلك الديار تستل من شاعر المعلقات عمرو بن كلثوم التغلبي حين وصف؛
وأعرضت اليمامة واشمخرت
كأسياف بأيدي مصلتينا
مشكاة التأسيس وامتدادها لم يذبل فتيله، غالبت بشموخ تحديات ومجريات محيط داخلي وخارجي. دولة نشطت على مدار 94 سنة، أرضعت عودة الدولة الثانيه بعد ستة سنين ودامت 69 سنة، حتى انطلق بعدها في عام 1902م زخم دولة بعد إحدى عشر سنة أستشرفت حاضر ومستقبل، ومنهج بناء وتنمية تضارع فيها إخلاص جهد راعي ورعية، بلغ عمرها 127عام ادام الله عزّها، ومؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي غرز بنيان توحيد مملكة عربية سعودية سنة ١٣٥١هـ/١٩٣٢م، وهو يقول؛
“لقد ملكت هذه البلاد التي هي تحت سلطتي بالله ثم بالشيمة العربية، وكل فرد من شعبي هو جندي وشرطي، وأنا أسير وإياهم كفرد واحد، لا أفضل نفسي عليهم ولا أتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم حسب ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم”. وللملك عبدالعزيز ملحمية يعرفها القاصي والداني، وما أدق ما وصفه الشاعر والمؤرخ خالد الفرج في ذلك حينما قال عن عبدالعزيز:
وما فتحت عيناك إلا على علىً
من المجد لا تألو لها تتطلب
ولم يكفك الميراث حتى استعدته
وعزمك كالفولاذ بل هو أصلب
فأحييت ما عبدالعزيز أقامه
على أن هذا الوقت من ذاك أصعب
وقفت أمام المستحيل تهزه
وكل يقول الفوز عنقاء مغرب
وكلك آمال وكلك عزمة
وغيرك من ذكر أسمها يتهيب

يُذكرنا يوم التأسيس وسلالة حكم أسرة نصح أبنائها وشعبها في حمل الأمانة، توالت على نهج مراسم ونظام تتوج بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الذي يؤكد نهج التأسيس واستمراره بالقول:
جاءت الدولة السعودية لتعيد الاستقرار لهذه المنطقة على نهج الدولة الإسلامية الأولى، وتوحد أغلب أجزائها في دولة واحدة، تقوم على الكتاب والسنة، لا على أساس إقليمي أو قبلي أو فكر بشري منذ أكثر من مئتين وسبعين سنة”.

هكذا بلاد الحرمين حاضنة للماضي والحاضر، ومنطلق الإسلام وقبلتهم، وهي مركز يجمع ثلاث قارات، وحضور حي ولاعب رئيسي في المشهد العالمي. وهي تجسد بملكها وولي عهده الطموح زخم مستمر لشعب وقيادة ضمن برامج التحول الوطني في رؤية 2030. ولنا في صدى يوم التأسيس خاتمة القول لأرض الحرمين قول الشاعر:
تُمثِّلُ لي الاشواقُ أنّ تُرابَها
وحَصباءَها مِسكٌ يفوح وعِقيانُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *