كأنها جاملتنا ثم انهارت وبكت
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
يقول صاحبي إنه كان في زيارة لإحدى قريباته المسنة . سألها عن أحوالها وكيف تقضي أوقاتها بعد أن فقدت ” وليفها ” الذي قضت معه أكثر من ثمانية عقود . كانت تتحدث بهدوء وهي تعيد شريط الذكريات مع زوجها وكأنها في حديث تلفزيوني .
أحياناً تضحك على بعض الذكريات ، وأحياناً تصمت . كان من الواضح أنها تحاول ألا تنهار أمامنا . من جهتي والحديث لصاحبي ، حاولت أن أدير الحوار نحو أمور أخرى كي لا أجدد أحزانها . وكلنا يعلم مدى الألم الذي يتركه فقدان ” الوليف ” ، خاصة لو كان في مرحلة متقدمة من العمر .
صمتت وصمت معها . وأحسست بحرج شديد . فزيارتي لها كانت من أجل الاطمئنان عليها خاصة وأنها في بلد خليجي غير بلدي . لم أكن أتصور أني سأجدد أحزانها ومضاعفة الآمها .
بعد هدوء سألتها: لماذا لا تعودين لبيتك وبجانب أبنائك وبناتك وجيرانك وهم كثر والحمد لله ، بدلاً من بقائك مع عاملة منزلية لا تستطيع فعل شيء لتعويضك عما فقدتيه . فقالت وقد بدأت بالبكاء ، أنا لا أستطيع العودة لمنزل جمعني به لأكثر من ثمانين عاماً . أراه في الغرفه وفي الصالة وعلى الدرج وسفرة الغداء والعشاء . يؤذن الفجر فأشعر أنه استيقظ ليتجه للمسجد . كل شيء .. كل شيء يذكرني به . كيف تريد مني العودة لبيت كنت أشعر معه بالأمن والأمان والفرح والسرور بعد أن فقدت كل ذلك. أنا أتألم لو عدت إلى هناك . ( هي لم تترك البيت فحسب ، بل تركت البلد كله ) .
في وطننا العربي بشكل عام وفي المملكة بشكل خاص ، لا يروق لنا الإستفادة من الأخصائيين النفسانيين . نعتقد أن من يراجع الطبيب النفسي فقط من هم في سن المراهقة أو المدمنين . ناهيكم عن أننا لا نملك العدد الكافي من الأطباء المتخصصين . كما أن المستشفيات الحكومية لا تعطي هذه العيادات أي أهمية . فمثل حالة هذه السيدة الكريمة ، كانت بحاجة إلى دعم نفسي ممنهج وليس عبر اجتهاد من أفراد الأسرة ممن يحاولون تغطية الفراغ الذي يتركه رحيل أحد الزوجين في سنوات العمر المتقدمة.
ولعلني في هذا المقال أسلّط الضوء على مثل هذه القصص ، كي تتحرك الجهات المعنية لعمل دورات لأفراد الأسر ، لشرح كيفية التعامل مع حالات مثل حالة هذه السيدة . ولكم تحياتي