الغساسنة.. إطلالة تاريخ بالشام

أحمد بن عبدالله الحسين

الغساسنة اسم لماء غسان نزلوا به فتسموا ونُسبوا إليه، هكذا يراهم بعض المؤرخين والنسابين. هم بطون شتى من قبائل الأزد ومن غير الأزد، حمل نسلهم أسم آل غسان أو الغساسنة. جاء في كتاب “العين” للفراهيدي أن غسان ماء من شرب منه قيل غساني. والأزد هم أقوام أبناء غوث بن نبت بن مالك بن كهلان محتدهم إلى قحطان. وكما يُذكر أن كَهلان لفظا على وزن فَعْلَان، ومعناه الكَهْل من الناس.

بُطُون كهلان لها تاريخ وأثر وامتداد، فيه مندوحة ذكر مثلا؛ بني مذحج ومنهم أُناس توطنوا مدينة الرها والتي تسمى أورفة (الآن تركية)، وهي على حدود سوريا الشمالية بين النهرين قرب نصيبين. أورفة هي عاصمة الآداب السريانية حتى القرن السابع ميلادي لانتشار النصرانية فيها، وتضم أول كنيسة شُيدت عام 30 ميلادي، وذلك أيام الأبجر الأسود الذي عاش إلى منتصف القرن الأول ميلادي، وقيل إن اسم الرها يشير لبطن من بُطُون مذحج.

وكذلك من بُطُون كهلان طَي والأشعر وبجيلة وجذام والأزد وعامله (واسمه هو الحارث هاجر من اليمن مع قومه القرن الثالث قبل الميلاد، توطن مع قومه جنوب لبنان، ويُنسب اليه اسم جبل عامل أو عامله)، ومن بُطُون كهلان كندة ولخم ومذحج وهمدان ومازن أي المازنية ومزيقا والأوس والخزرج وخزاعة، ومن لخم ينتسب المناذرة ملوك مدينة الحيرة(7كم من مدينه النجف والكوفة) وهي في العراق، ومن هذا النسب يمتد إليهم الأمراء آل أرسلان توطنوا الجبل في لبنان، وهذا حصل أيام أبي جعفر المنصور العباسي. والمناذرة من سلالة لخمية قدمت أوائل القرون الميلادية إلى العراق.

المؤرخ الآثاري أحمد سوسة في كتابه “مفصل العرب واليهود في التاريخ” يرى أن الغساسنة قدموا من تهامه إلى الشام كانوا ضمن هجرات أتت على موجات متواصلة متأخره لقبائل الأزد بدأت أواخر الألف الأول قبل الميلاد. هؤلاء الغساسنة كونوا دولة تحت رعاية الروم عرفت باسمهم. وموطن النزوح من تهامه كذلك ذكره بطليموس وهو عالم فلك ورياضيات يوناني عاش القرن الثاني ميلادي ذكر أن لهم مرفأ في تهامة على البحر الأحمر أواسط القرن الثاني قبل الميلاد.

عمرو بن معد يكرب اليماني، وهو أحد الصحابة قال عن غسان؛”اقتتلنا للجبابرة واملأنا للمنابر وتسمى قبائل غسان عند البعض أرباب الملوك”.
آنذاك الغساسنة كما المناذرة في حيرة العراق لهم ذكر عند المؤرخ العراقي جواد علي في كتابه “أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام”؛ حيث يقول؛”كان الساسانيون والروم والحبش، يستغلون مواطن الضعف هذه (أي تفرقهم)، ويرشون من يرون فيه الميل إلى المال، وبذلك ضبطوا الحدود والأمن (أي للفُرْس والروم).

الغساسنة لهم ملوكٌ كُثر، وفي بصرى الشام وهي (البلقاء وحوران) كان آخر ملوكهم جبلة بن الأيهم. وقد كانوا نصارى، انتفع منهم الروم في ضبط العرب في البادية، وكذلك ساندوهم ضد دولة فارس، ولا زال لبطون غسان بقايا توزعوا في بلاد الشام بما فيها لبنان. الغساسنة استمر ملكهم في الشام، فلما فتح المسلمون بلاد الشام، ذهب سلطانهم كما ذهب ملك “آل لخم” منافسوهم فى الحيرة بالعراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *