التغافل مفتاح السعادة
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
يقول الإمام أحمد بن حنبل حين سئل عن العافية وأين يجدها الإنسان قال : ” تسعة أعشار العافية في التغافل ” . فالتغافل سلوك حضاري وعلاج لمشاكل قد تجر معها المصائب وتتسبب في القطيعة بين الأحباب . ويروى أن – حاتم الأصم – تظاهر بأنه أصم مع أنه ليس كذلك ، كي لا يضطر للرد على من يسيء إليه ، وهذا سبب تسميته بالأصم .
ذات يوم اعترف لي صاحبي ، بأنه تعرض لمؤامرة كبيرة من أصدقائه، لدرجة أن تلك المؤامرة كادت آنذاك أن تدمر حياته وأسرته . لكنه لم يعرف عن تلك الحادثة إلا بعد سنوات طويلة ، حيث أبلغه صديق مشترك لهم بعد أن اختلف معهم بتلك المؤامرة ، مؤكداً أنه مستعد لمواجهتهم . ولكن صاحبي ترك الأمر لله واستمر في صداقته معهم ، مبرراً ذلك بأن الأمر مضى عليه سنوات .
ربما يكون لصاحبي مبرراته في تفضيله للتغافل وكأنه لا يعرف شيئاً عما حاكه أولئك الأصدقاء . لكن ما يجب إيضاحه ، أن هناك فرق بين الغباء والتغابي . فالغباء أن تكون ساذجاً أمام الناس . أما التغابي فهو من أنبل الخصال إن كان الأمر لا يستحق التصادم مع الآخرين .
يقول معاوية بن سفيان رضي الله عنه: العقل ثلثه فطنة وثلثاه تغافل . ولو أعدنا النظر في كل المواقف التي تمر بنا ، لوجدنا أن معظمها يمكن تجاوزها بالتغافل . كأنك لم تسمع أو ترى ما يقلقك . فحياتنا أرقى وأهم من أن نرهقها بالتوقف عند سماعنا لكل كلمة أو موقف . ثم أن نفسنا لها علينا حق ، ففي طمأنينتها مفتاح للفرح والسعادة ، وفي ألمها باب للقلق والوجع .
قلت في مقال قديم ، بأنك تراقب حوض الأسماك ، وتتابع حركتها وجمالها ، لكن لو أنك دققت في شكل السمكة لضاع الجمال الذي رسمته لها أثناء حركتها داخل الحوض . فهناك أمور كثيرة لا تستحق التوقف عندها ، خاصة في بيوتنا أو مع أصحابنا .
يقال: ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي، ولكم تحياتي.