شراسة الجندي الخفي
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
منذ اللحظة الأولى لإعلان حربه قام هذا الجندي الخفي بتحييد كل ما أنتجه جبروت الإنسان وطغيانه وظلمه وبطشة من الأسلحة الفتاكة إلى حاملات الطائرات مرورا بالغواصات الذرية ناهيك عن الأسلحة النووية وفتكها والأقمار الصناعية ومجساتها كل ذلك ذهب أدراج الرياح بمجرد أن أعلن هذا الجندي حربه!!
فايروس صغير لايرى بالعين المجردة إلا بعد أن يكبر نصف مليون مرة يحطم جبروت الإنسان،ويبث الرعب والهلع بلحظات ، لايعترف بحدود ولاتحده سلطة ولا يمنع من دخول قاعدة جوية أو ثكنة عسكرية أو ساحة حرب مهما كان قضها وقضيضها، بل أنه ينشر الرعب بمجرد أن يسجل حضورة !!
فايروس جعل من حضارة إنسانية متناهية في القدم مجرد أضحوكة يتندر بها القاصي والداني، حطم جبروتنا،وأظهر مدى ضعفنا،وسخفنا،وضحالة تفكير بعضنا،وقلة حيلتنا، جعل منها حكومات ومنظمات ورؤساء وجيوش وأفراد يمشون ويتخبطون كالسكارى وماهم بسكارى، أمم كانت تفاخر على بعضها وتتسلط عليها وتنهب ثرواتها وتنبزها با أبشع الألقاب رأيناها تقف عاجرة حائرة هائمة على وجهها لاتعرف أين المآل والمصير
جندي صغير جعل من رئيس أعتى دولة على وجة الأرض تملك من مخزون الأسلحة مايعادل ماتملكة الدول مجتمعة يخرج علينا كل يوم ليثبت لنا عجزة وخوره وقلة حيلة، وكلما خرج بتصريح للقضاء على هذا الجندي زاد الجندي من ضراوتة وشراستة فبعد ان صرح أنه سيقضي على الجندي الخفي بعدها يست ساعات تعلن الدول إغلاق المساجد والكنائس والمعابد في معظم أصقاع الأرض، وبعدها خرج مرة أخرى ليقول إنه وجد مصل لهذا الدواء لتزاداد ضراوة هذا الجندي الخفي ويعلن بعدها بيوم إغلاق الحدود مع كندا أقرب المجاورين.
جندي صغير جعل من سفينة دايموند برنسيس أكبر سفينة رفاهية على سطح البحر والتي لايستطع ركوبها إلا المترفين وباذخي الثراء وتحتوى على قطع الجواهر والألماس والماركات العالمية الباذخة، جعل منها هذا الجندي أكبر مكان عائم موبوء على سطح الكوكب، الأمر الذي جعل الدول ترفض استقبالها والرسو على موانيئها واعتبرت هي وقطعها الفارهة غير قابلة للمس والتعاطي، وجعل أثريائها مستعدين لدفع الأموال الطائلة لمن يخرجهم منها ولم يجدوا إلى ذلك سبيلاً !! الأمر الذي جعل أحد الخبراء اللذين كانوا على متنها يصف الموقف على متنها بـ “الفوضوي” ( ما أغنى عني ماليه).
سبحانك ربي ما أحكمك وأدق موازين عدلك.
أين دول العشرين إذن؟ يتهاوى اقتصادها أمام ناظريها دون حيلة تذكر، لتعلن زعيمة إحداها أنها تواجه أكبر خطر حقيقي منذ الحرب العلمية الثانية.
أين دول العالم الأول التي كنا نحلم بالسفر إليها؟ إنهم يقبعون بالمنازل تحت الإقامة الجبرية بأمر هذا الجندي الخفي.
أين جبروت أميركا،وأوربا،والروس،والصين،واليابان؟ ذهبت أدراج الرياح مذ أعلن هذا الجندي سطوته.
أين الجامعات،ومراكز الأبحاث، والمعامل؟ وقوفوا حائرين مطئطي الرؤوس منتظرين الفرج والغوث ممن لديه ذلك.
أين أبطال نوبل؟ لاصوت يعلوا فوق صوت الجندي.
أين من كانوا ينابزوننا بالمطاعم الفارهة التي تتعدى قيمة الوجبة الواحدة فيها 1300 دولارًا، وأنها مخصصة للكبراء وعلية القوم ومنتهيي الثراء ويحثوننا بكل وسيلة أن لانحضر لها لأننا لانملك قيمة وجباتها الباذخة، إنهم بكل بساطة يقفون في طوابير طويلة لتأمين الخبز والقوت لانفسهم ولأسرهم هلعًا وجزعاً في حدث لم يكن بينهما أكثر من شهرين من عمر الزمن، وأين هي تلك المطاعم الفارهة لقد نكست كراسيها وطاولتها كما تنكس الأعلام في المآتم بأمر من أذن بإفتتاحها!! كما أمرت تلك المطاعم الباذخة بأن تقدم وجباتها بأدوات بلاستيكية لايتعدى قيمة الواحد منها السنتات المعدودة. سبحانك ربي ما أعظم سطوتك وإمتحانك بأقل وأحقر عدد من جندك (ومايعلم جنود ربك إلاهو).
جندي صغير جعل كل ذي إله ودين وملة ومذهب وطريقة يكفر بها وينبذها نبذ الحذاء المرقع، فاللبرالي كفر بها، والرأسمالي لعنها، والشيوعي أنكر انتمائه إليها، والبوذي أيقن بعجزها، وغيرهم كانوا من آلئهتم أشد إنكاراً ولعناً، وأتبعوا ماقاله رئيس أعتى دولة في العالم بأن يخصصوا يوم الأحد لدعاء القدير والإبتهال له ليخلصهم وينجيهم من هذا الجندي (الحقير).
أيها الجندي الحقير!!
كم دولة فضحت؟
وكم نظاماً أخزيت؟
وكم إنسانية جردت؟
وكم آلهة أركست؟
وكم غنياً أفقرت؟
وكم عزيزًا أذللت؟
وكم إيماناً امتحنت؟
وكم توكلاً على القدير فضحت؟
وكم تعليماً هشاً خاوياً كشفت؟
وكم من منابز أبكمت؟
تحدثنا كتب التاريخ والسير والأحداث عن طواعين وأمراض وحروب فتاكة مرت بالبشرية لكنها لم تجرد الإنسان من آدميته كما فعل هذا الجندي الخفي، فهذه إيطاليا وقبلها بريطانيا تعلنان أن كبار السن لن يتلقوا علاجًا وسيتركون للموت! هنا تسقط كل الشعارات حقوق الإنسان التي كانوا ينادون بها ويصدعون رؤوسنا بها ليل نهار.
يحدثنا العالم أن الكون كلة أصبح قرية صغيرة ويتعالم الناس أخباره كل لحظة لتكشف عوار وهشاشة وخسة أجزاء من أنظمة وحكومات هذا العالم المادي المتوحش. ويحدثنا الخالق جل في علاه بقوله: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.
في خضم ذلك كله ومابثه هذا الجندي الذي لايرى من رعب وخوف وهلع يبرز قول الحق تبارك وتعالى في عليائه.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96).
وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعائه العظيم:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
خاطرة:
الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه):
لا تجزعن إذا نابتك نائبة واصبر ففي الصبر عند الضيق متسع إن الكريم إذا نابته نائبة لم يبد منع على علاته الهلع.