اتفاق ميناء بربرة مخاوف من بؤرة نزاع جديدة

د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

جيوبولتيكيا لا تقبل الدول العظمى أن تسيطر دول كبرى على ممرات بحرية على غرار بريطانيا التي رفضت أن تهيمن السعودية الثالثة الناشئة على منطقة الخليج ورسمت الحدود الجديدة وفق اتفاقية المحمرة وبروتكولات العقير في 2022، ورسمت خريطة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية في إقامة دويلات في ساحل الخليج من الكويت وقطر والبحرين ودولة الإمارات وسلطنة عمان، رغم أنها وافقت على ضم منطقة الأحواز العربية لإيران عام 1924 ما يعني أنها تود تقسيم العرب الذين يهيمنون على مساحة واسعة جدا تمتد من المحيط إلى الخليج.

يتكرر المشهد في القرن الأفريقي إذا كانت تتنافس دول استعمارية كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا على القرن الأفريقي إلى أن أتت الولايات المتحدة التي ورثت تلك الممرات وأقرت نفس الاستراتيجية، وظلت الحرب الأريتيرية نحو 30 عاما من أجل أن تنال استقلالها في 25 مايو 1991 بدعم غربي، وأجري استفتاء تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية وجاءت نتيجة 99% للاستقلال، فأصبحت أريتريا دولة مستقلة في 23 مايو 1993، لتصبح أثيوبيا دولة حبيسة بعد إسقاط مانجستو وتولي زيناوي حكم أثيوبيا.

تود أميركا أيضا عدم وجود دولة قوية في اليمن تهيمن على مضيق باب المندب، خصوصا بعد تشكيل السعودية كيان البحر الأحمر وخليج عدن لأهداف سياسية واقتصادية وأبعاد عسكرية واستراتيجية في ديسمبر 2018 لتعزيز الوحدة الإقليمية في وجه العديد من التحديات التي تهدد المنطقة يضم الدول المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن يضم السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن والصومال وجيبوتي بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية والاستثمار، ومنع القوى الخارجية من القيام بأي دور سلبي في المنطقة، مقره الرياض، طبعا هذا الكيان لم يعجب أمريكا والناتو وهو ما جعل السعودية ومصر والإمارات نأت بنفسها عن حامي الازدهار في البحر الأحمر، بسبب أن معالم هذا التحالف غير واضحة، حيث تختلف المصالح، وتشتعل الأوضاع بسبب حرب غزة.

رغم أن مصر عضو في قوة العمل المشتركة، بل إنها تولت القيادة لأول مرة في نهاية 2022 لمدة ستة أشهر، فقد امتنعت مصر والسعودية عن إدانة هجمات الحوثيين بسبب استمرار إسرائيل في حربها على غزة قد يظهر انضمام السعودية ومصر أنهما يؤيدان حرب غزة ويضر بالسلام الذي كانوا يتفاوضون عليه لعدة أشهر مع الحوثيين للخروج من حرب استمرت 10 سنوات في اليمن، ولا تود السعودية إعطاء الحوثيين مبررا للهروب من السلام، وفي نفس الوقت هناك هدنة موقعة مع إيران برعاية بكين، ولا تود السعودية نقض هذه الهدنة ما لم يعتدي الحوثيين على السعودية، وسبق للسعودية أن طالبت المجتمع الدولي بالمشاركة في الحرب لإعادة الشرعية في اليمن، ومنع تهريب السلاح الإيراني للحوثيين، بل أوقف المجتمع الدولي التحالف من تحرير الحديدة واستبداله باتفاق إستكهولم الذي لم يطبق.

كما استثمرت أثيوبيا الفراغ الحكومي في مصر منذ 2011 – 2016 مرحلة انتقالية مرت بها مصر نتيجة الثورة والثورة المضادة لحكم الإخوان، أن استثمرت أثيوبيا في بناء السد ووضعت مصر تحت الأمر الواقع، بل استثمرت أثيوبيا مصادقة جنوب السودان على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل والمعروفة إعلاميا باسم اتفاقية عنتيبي لحظة تاريخية لبلاده بعد توقيع خمس دول على الاتفاقية وهي إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي، وبهذا يكون النصاب القانوني قد اكتمل للبدء في تأسيس مفوضية حوض النيل والتي تعارض كل من مصر والسودان إنشاءها وتعتبرها تضر بمصالحها المائية، لكن إثيوبيا استثمرت الحرب في السودان كما استثمرت المرحلة الانتقالية في مصر ونفذت سد النهضة ووضعت مصر أمام الأمر الواقع وهو ما لم تقبل مصر تكرار التجربة المريرة الذي يهدد امنها وتصبح مهددة من جميع الجهات يهدد أمنها واقتصادها.

كذلك أرادات أثيوبيا بداية باستئجار لميناء من إقليم أرض الصومال وهي دولة استقلت دون اعتراف العالم بها في عام 1991، ثم وقعت أثيوبيا مذكرة تفاهم بينها وبين أرض الصومال تسمح لأديس أبابا باستغلال شريط ساحلي طوله 20 كلم في أرض الصومال، ويقع الميناء الرئيسي الحالي لإثيوبيا للصادرات البحرية في دولة جيبوتي المجاورة،  ثم إقامة قاعدة عسكرية إثيوبية في أرض الصومال من أجل أن تجد إثيوبيا ضالتها على البحر الأحمر بعدما حرمها المجتمع الدولي من ذلك بعد استقلال أريتريا وهي حياة أو موت بالنسبة لإثيوبيا، ما يعني أن مصر مهددة من جهتين من قبل إثيوبيا من نهر النيل ومن مضيق باب المندب الذي يهدد التجارة التي تمر بقناة السويس.

 ما جعل مصر توقع مع الصومال برتوكول تعاون عسكري، ولجأت الصومال إلى مصر لأنها لا تثق في الاتفاقية العسكرية مع تركيا، وتعتبرها مجازفة محسوبة وخطر نحو المجهول رغم امتلاك أنقرة قاعدة عسكرية، خصوصا وأن تركيا لديها تفاهمات مع أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، ومعروف أن تركيا براغماتية تبحث عن مصالحها ولا يمكن الوثوق في معاهدة معها، ما جعل الجيش المصري يرسل طائرات نقل عسكري ثقيل وآلاف الجنود إلى الصومال، بل إن الصومال تطالب بإخراج الجنود الأثيوبيين من القوات المشتركة مع بداية عام 2025 لحماية الصومال من حركة الشباب الإرهابية، وهو ما جعل الاتحاد الأفريقي يؤيد تشكيل قوة جديدة لمحاربة المتشددين في الصومال.

اجتمع رؤساء دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا ( إيجاد ) في يناير 2024 في مدينة عنتيبي الأوغندية للخروج بحل سلمي، وكان من بين الحضور رؤساء جيبوتي وكينيا والصومال وجنوب السودان إلى جانب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو بالإضافة إلى المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر الذي حضر كمراقب إلى جانب الاتحاد الأوروبي والسعودية وتركيا، اعتبر المبعوث الأمريكي أن مذكرة التفاهم تهدد بمزيد من التقويض للأمن الإقليمي، وإن حركة الشباب الصومالية تستخدمها كسلاح لتجنيد مقاتلين جدد، ولم ترسل إثيوبيا وفدا إلى القمة، بعد تدهور العلاقة بين الصومال وإثيوبيا منذ إبرام الأخيرة اتفاقا مع إقليم أرض الصومال في يناير 2023 منح الإذن لأديس أبابا باستخدام سواحل الإقليم على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، اعتبرها الصومال غير شرعية وتشكل تهديدا لحسن الجوار وانتهاكا لسيادته.

كما وصفت جامعة الدول العربية مذكرة التفاهم بأنها انتهاك واضح للقانون الدولي، كما وصف السفير الصومالي في القاهرة وصول معدات ووفود عسكرية إلى العاصمة مقديشو تمثل تمهيدا لمشاركة مصر في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال ( اميصوم ) والتي من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية ( أتميس ) بحلول يناير 2025، وهي أولى الخطوات العملية لتنفيذ مخرجات القمة المصرية الصومالية في 14 أغسطس 2024، كما وقعت مصر مع نيجيريا مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين البلدين لتعزيز دورها الإقليمي في أفريقيا.

أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى بمكة

               Dr_mahboob1@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *