السعودية حذرة من تقسيم السودان وتكرار تجربة الجنوب

الدكتور عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

تدرك السعودية أن فكرة تقسيم السودان فكرة قديمة، والحرب الحالية هي انعكاس لنزاعات قديمة واضحة ومكتومة، يمكن أن تظهر إلى السطح من جديدة على غرار تجربة الجنوب، وما انفصال الجنوب سوى نتيجة فشل الحكومات الوطنية المتعاقبة في الحفاظ على الوحدة،

رغم ان الحرب الأهلية بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن الإسلاميين في تسعينيات القرن الماضي كان لهم دور كبير في تأجيجها حتى تحول الصراع إلى صراع أيديولوجي بين الجبهة الإسلامية التي تقاتل من أجل إقامة دولة إسلامية على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان حسن الترابي يقنع جعفر النميري بإقامة مشروعه من الخليج إلى المحيط الخيالي بعد فشل مشروع الإخوان المسلمين في مصر، وعندما تمكن حسن الترابي ثار على النميري نفسه عام 1985 وأسقطه، حتى اقصاء الإسلاميين بعد انتفاضة ديسمبر 2018 عن السلطة، لكنهم برعوا في تغذية الخلافات بين العسكريين والمدنيين، وكذلك بين العسكريين أنفسهم، حتى المدنيين لم يسلموا من الشقاق.

فيما كان مشروع برنارد لويس تقسيم السودان إلى أربع دول هي النوبة التي كانت يفترض أن تلتحم مع مصر، ودولة الشمال المسلم يضم إقليم الجزيرة ونهر النيل، ودولة الجنوب المسيحي، ودولة دار فور، بالطبع هناك تقسيمات أخرى أكثر تفتيتا لتقسيم السودان إلى دويلات اثنية وعرقية ذات امتدادات إقليمية، ما جعل الحركة الشعبية لتحرير السودان التي ترى أن رسالتها علمانية الدولة نجحت في فصل الجنوب عن الشمال، وتركت الإسلاميين يتصارعون مع بقية مكونات الشعب السوداني الدينية والإثنية والثقافية، وتوصلت إلى اتفاق سلام شامل عام 2005 ( نيفاشا ) وفق استفتاء كانت النسبة الكبرى من نصيب خيار الانفصال، وهذا الاتفاق لم يكن ليبقى السودان موحدا، وإنما ظلت بذرة تقسيم السودان قائمة يمكن أن تغذيها الحرب الحالية.

ما يجعل السعودية تراعي خطر التوجه التقسيمي عند رعايتها للسلام بين الجانبين المتقاتلين، والوقوف على الحياد بينهما، وبشكل خاص تقف السعودية على مسافة واحدة بين الجيش بقيادة البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو حميدتي، لأن السعودية تدرك أن لكل منهما له تأثير على كيانات قبلية إثنية داخل السودان، يمكن أن تقود إلى تقسيم جديد، وبكل سهولة الحصول على دعم دولي أمريكي لتحقيق الانفصال أو التقسيم الجديد، خصوصا وأن فكرة التقسيم هي ناجمة عن التهميش السياسي والاقتصادي، وزجت فيها قضايا الهوية والدين الإثنية والقبلية وحتى الإقليمية، وبشكل خاص هناك اثنيات لها عمق إقليمي يمكن أن تحصل على دعم مفتوح من هذه الدول يحقق مصالح الدول الإقليمية وفي نفس الوقت مصالح الأطراف المتنازعة.

لذلك كانت السعودية حذرة من الدعوات التي تدعو إلى الوقوف مع الجيش بقيادة البرهان باعتباره المؤسسة العسكرية الوحيدة التي تمثل السودان، فيما الدعم السريع مليشيا على غرار بقية المليشيات في المنطقة، ويذكرون السعودية بمليشيات الحوثيين، لكن السعودية ترى أن الحوثي أتى بدعم إيراني، لا يشبه الدعم السريع الذي لم يأتي بدعم خارجي، وإنما أتى بدعم الجيش السوداني، فهو منتج سوداني في زمن البشير له عمق قبلي تمكن من إعادة الاستقرار في دار فور وإقليم جنوب كردفان.

السعودية تدرك أن السودانيين ينظرون إلى قائد الدعم السريع على أنه رجل قومي أعاد الاستقرار إلى السودان، وحافظ على وحدة السودان، وأوقف تقسيم جديد للسودان، ولا تفيد شيطنته من قبل الجيش، وهو ما جعل الجيش بقيادة البرهان يرفض حضور ممثليه إلى مفاوضات جنيف واكتفى بحضور الحكومة، وبالفعل انفض الاجتماع دون تحقيق تقدم حول وقف العدائيات، حتى عادت الهواجس من كل حدب وصوب على السودانيين خوفا من الأسوأ، حيث كانوا يأملون نهاية للحرب التي دمرت بلادهم وشردتهم في بقاع الأرض، وبات شبح المجاعة يهدد أكثر من نصف سكانها، خصوصا بعد الأمطار الأخيرة، وانهيار سد أربعات في ولاية البحر الأحمر الذي خلف كارثة إنسانية، فهي مأساة تضرب السودان إلى جانب الحرب، ولا توجد حكومة تتولى مواجهة هذه الكارثة، وهناك دعوات بتدخل دولي وفرق إنقاذ جوية ومائية.

انتزعت السعودية من الوفدين الجيش والدعم السريع تمسكهما بمبدأ السودان الواحد عبر دبلوماسية الاتصال، وأنهما لن يسمحا بتقسيم السودان على غرار تجربة جنوب السودان الذي انقسم بعد حرب دامت 38 عاما، وفقد السودان 70 في المائة من ثروته البترولية والطبيعية، ولا تود السعودية في ظل الصراع إلى إنشاء الدعم السريع حكومة موازية لحكومة الجيش في بورتسودان، كما حدث في ليبيا، وبسبب وقوف السعودية على مسافة واحدة بين الإخوة الأعداء، حضور وفد الدعم السريع المفاوضات في جدة 1 وجدة 2، واعتبر وفد الدعم السريع أن الجيش مختطف من قبل أمير الحركة الإسلامية التي اختارت الحرب إلى النهاية.

 تود السعودية استثمار المجتمع الدولي الذي أصبح أكثر اتحادا وجدية في إنهاء حرب السودان من أجل تفرغ أمريكا للانتخابات، حتى لا يتجه الدعم السريع لإقامة حكومة موازية في دار فور لحكومة بورتسودان وهي قد تكون بداية تقسيم جديد للسودان، رغم أن كلا الجانبين يؤكدان على الحفاظ على سودان واحدة.

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى بمكة

 Dr_mahboob1@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *