لماذا فشلت كل محاولات الحل في السودان حتى الآن؟

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

يرى خبراء أن الأزمة في السودان أعمق من اقتتال طرفين مسلحين على السلطة، بعد اندلاع حرب في 15 أبريل 2023 تركت وراءها دمارا هائلا ومعاناة إنسانية لا تطاق، ورغم الجهود الدولية الحثيثة لا تزال بوادر الحل بعيدة المنال في ظل استمرار التنافس بين الرجلين القويين في السودان عبد الفتاح البرهان قائد الجيش وبين محمود حميدتي دقلة قائد قوات الدعم السريع أو المليشيات الموازية التي شكلها البشير للقضاء على حركة التمرد في دار فور غربي السودان وجنوب كردفان تحارب الحكومة منذ 2003 ونجح في قمعها.

 وفي ظل خلاف بين القوى السياسية المدنية التي انقسمت على نفسها بعد انقلاب أكتوبر 2021 وسقوط نظام عمر البشير وعدم تمكن القوى السياسية من بلورة خارطة طريق تستعيد الحكم المدني الانتقالي أدى إلى توقيع اتفاق إطاري في ديسمبر 2022 إلى استقطاب جديد التي جعلها تستعين بالقوى العسكرية أدت أيضا إلى استقطابات جديدة بين الأطراف العسكرية نفسها قادت إلى الحرب الحالية، مكن قوى خارجية التدخل في تأجيج الصراع، وتحولت إلى حرب بالوكالة بين دول إقليمية ودولية أعاقت جهود السلام.

بالنسبة للإمارات تهتم بالتوسع الاقتصادي والجيوسياسي والاستراتيجي في أنحاء القرن الأفريقي، وفي نفس الوقت تخشى الإمارات من عناصر إسلامية من نظام البشير السابق من العودة للحكم بعد القضاء عليه في المنطقة، واتهمت قوى الحرية والتغيير عناصر نظام البشير بتدبير حملة انتقادات وتخوين ممنهجة ضد كباشي لقطع مساعيه لإتمام التفاوض مع الدعم السريع، خونوا كباشي بعد اتصال سري بنائب قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو في العاصمة البحرين في يناير  2024 لكن اتصالا تلقاه الشيخ محمد بن زايد من البرهان في يوليو 2024 في خطوة لم تكن متوقعة لكثير من المراقبين ناقشا الطرفان سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها، وهي خطوة أتت بعد زيارة الرئيس الأثيوبي للسودان ولقاءه بالبرهان توسط لإتمام تلك المحادثة، بعدما درج مساعد القائد العام ياسر العطا على توجيه انتقادات حادة إلى الإمارات دونا عن قادة الجيش.

كما تخشى مصر من استمرار الصراع وأن يتولى الدعم السريع مقاليد الأمور قد ينتقل الصراع إلى أراضيها بشكل أو بآخر لذلك هي تدعم الجيش بقيادة البرهان امتدادا لنظام الحكم في مصر، وإن كان مؤخرا وقفت مصر على مسافة واحدة من الطرفين كما استقبلت البرهان سابقا استقبلت مؤخرا ممثلين عن الدعم السريع تماشيا مع الرؤية السعودية المتوازنة في عدم الميل مع طرف ضد طرف، كما قامت إيران بمد البرهان بطائرات مسيرة وعرضت على الجيش تزويده بسفينة حربية مروحية إذا سمح لها الجيش ببناء قاعدة بحرية لجمع معلومات استخباراتية، وكذلك وضع سفن حربية بها على غرار روسيا التي تود الحصول على قاعدة عسكرية وهو ما يجعل الولايات المتحدة تحرص على عدم ترك السودان لروسيا وإيران بجانب التواجد في باب المندب بحجة أن الحوثي يضرب السفن المتجهة لإسرائيل لمنع وصول الصين إلى القرن الأفريقي أي أنها لا تود روسيا والصين وإيران الذين تسميهم بحور الشر من استثمار حرب غزة لذلك من المتوقع لن تنتهي أزمة السودان إلا بعد انتهاء أزمة غزة.

كما أن مشكلة السودان في تأخر الوصول إلى حل سياسي بسبب انشغاله في مشاكل جيوستراتيجية أوسع بكثير من قدرته على الحل، كذلك الأحزاب والمكونات السياسية التي يمكن أن تكون جسرا بين الطرفين المتحاربين ولكن هي نفسها منقسمة على نفسها ومتشظية لأن الكثير منها تحاول أن تحجز مقاعدها في سلطة ما بعد الحرب.

مع تفجر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 نشطت مبادرة من السعودية بدعم من الولايات المتحدة لإطفاء نيران الحريق الذي طال العاصمة الخرطوم، لكن الجهود المبذولة من لاعبين إقليميين ودوليين لا تبدو حتى الان قادرة على وضع حد للقتال بين الطرفين، فكثيرا ما تصطدم تلك الجهود بترسانة من الرفض والممانعة من قبل أطراف لها تأثير واضح في معادلة الصراع والغلبة القتالية التي أدت إلى أكثر من 12 مليون نازح ونصف السكان بحاجة إلى مساعدات بعد توقف الحياة في السودان نتيجة الاقتتال، فقط دبلوماسية الهاتف نجحت في فتح معبرين للمساعدات الإنسانية.

عبر الشركاء الدوليون ( الولايات المتحدة، السعودية، سويسرا، مصر، والإمارات، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة ) في محادثات جنيف لمناقشة الوضع في السودان عن أسفهم غياب وفد القوات المسلحة التي جرت على مدار 10 أيام بحضور الطرف العسكري الآخر الدعم السريع حد من إحراز تقدم تم من خلالها إجراء دبلوماسية الهاتف مع ممثلي الجيش على توفير ممرين أمنين للمساعدات الإنسانية للتخفيف من تداعيات الحرب بينهما منذ نحو عام ونصف للوصول لنحو 20 مليون نسمة في بيان صدر في 23/8/2024، وسبق لطرفي النزاع سلسلة جولات من المباحثات في مدينة جدة من دون التمكن من تحقيق خرق جدي أو الاتفاق على وقف مستدام للنار فهل تنتهي الأزمة في السودان بعد انتهاء الأزمة في غزة، وهل هي مرتبطة ارتباطا مباشرا بأزمة غزة؟.

أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة ام القرى

Dr_mahboob1@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *