توقيت مقال بوليتيكو ولقاء الجبري في الـ BBC ضد السعودية

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

توافق بين ضفتي الأطلسي في استخدام الإعلام كقوة خشنة في تنفيذ أهداف استخباراتية، طبيعي أن سعد الجبري وغيره من السعوديين الذين يعتبرون أنفسهم معارضين تعتبرهم الاستخبارات العالمية أوراق رابحة، لم يعودوا أحرارا كما يظنون بل هم أدوات تحت الطلب وقتما تشاء الاستخبارات العالمية توظيفهم.

لا أود مناقشة ما دار في مقال بليتيكو ومضامين لقاء سعد الجبري في قناة الـ BBC، ولكني أود ذكر الأسباب التي أدت الاستخبارات الغربية اللجوء إلى هذه الخطوة التي ركزت فيها على شخصية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المفرطة، وإن كانت الاستخبارات لم تود خسارة سمو ولي العهد بالمطلق، فذكرت طموحات سمو ولي العهد لنقل السعودية إلى مصاف الدول المتقدمة، لكن ماذا تريد الدول الغربية من سمو ولي العهد التنازل في ملفات.

طبعا لا يود الغرب حرب إقليمية خصوصًا وأن أمريكا في حالة انتخابات داخلية كذلك السعودية لا تود حرب إقليمية، إذا ماذا يودون من سمو ولي العهد ولم يتحقق لهم؟، في حقيقة الأمر حاول الغرب وبشكل خاص الرئيس ماكرون طلب أن يتدخل سمو الأمير محمد بن سلمان من إيران وقف الرد على إسرائيل بعد اغتيال إسماعيل هنية، مما يؤدي إلى الذهاب إلى حرب إقليمية قد تودها إسرائيل لكن لا يريدها الغرب وهو منشغل بحرب في أوكرانيا وانتخابات تجري في أمريكا، لكن ولي العهد لم يتدخل لأنه يدرك أمر التدخل له أهدافا أخرى ويعرف الغرب كيف يقنع إيران بوقف الرد، كما لا يود الغرب إضعاف إيران حتى لا تهيمن عليها روسيا والصين، كذلك السعودية حققت مكاسب جيوساسية من وقوفها على الحياد في هذا الصراع الإقليمي وإن كان هي لا تود أن تنجر المنطقة أيضا إلى حرب إقليمية قد تقود إلى حرب عالمية.

إذا وقوف السعودية على الحياد أزعج الغرب وهو يراقب أنها حققت مكاسب جيوسياسية من هذا الحياد، بينما يطمح الغرب إلى وقوف السعودية معه ضد محور ما يسمى بالمقاومة بقيادة إيران، لكن السعودية حذرة من هذا التورط حتى لا تبدو أنها تنتصر لإسرائيل المحتلة لأراضي عربية ضد جارة خصوصا وأنها موقعة معها تهدئة برعاية الصين، وهي ملتزمة بذلك، وكذلك إيران، وفي نفس الوقت لا تود السعودية أن تنتصر إسرائيل وتفضل أن تكون دولة منكسرة أو ضعيفة حتى تقبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا تود السعودية أيضا إيران تنتصر حتى لا تستقوي في المنطقة.

ما يزعج الغرب أن السعودية لم تخرج بأي تصريحات ضد إيران والحوثي وحزب الله وكذلك العكس خصوصا من المسؤولين، أي تود السعودية من الطرفين الوصول إلى مرحلة هما بحاجة إلى السعودية دون انتصار أحدهما على الآخر، دون ان تنجر المنطقة إلى طبول حرب إقليمية تقود إلى حرب عالمية.

توافق صدور المقال في بليتكو ولقاء سعد الجبري في الBBC عبر ضفتي الأطلسي لم يكونا مجردين من ابتزاز سمو ولي العد الأمير محمد بن سلمان الذي لا يقود فقط السعودية بل يقود منظومة دول الخليج وقائد عربي وإسلامي يودون منه دفع أثمان مجانية باهظة على رأسها إقليمية منها تخريب الهدنة بين السعودية وإيران، وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد من أجل أن تسوء علاقة السعودية مع الصين، بسبب أن السعودية دخلت البريكس كشريك ثم كعضو بعدما سعت أمريكا سعيا حثيثا لوقف هذا الانضمام وجعلت السعودية الانضمام في البداية كشريك وليس كعضو من أجل تهدئة أمريكا تجاهها.

 كما يود الغرب انتصار إسرائيلي كاسح من أجل أن تقبل السعودية بإقامة علاقة مع إسرائيل مع وعد بإقامة دولة فلسطينية دون توثيقها في معاهدة على غرار معاهدة كامب ديفيد بل تطلب السعودية لقاء ذلك بمطالب أخرى على رأسها حصولها على دفاع مشترك على غرار الناتو والحصول على نووي سلمي تحت إشراف الولايات المتحدة ولكن مع تخصيب محلي لأن السعودية تمتلك المادة الخام محليا.

 تم إغراء السعودية بالإفراج عن الأسلحة الهجومية التي منعتها أمريكا ودول أوروبا بعدما اتجهت السعودية ليس فقط شراء أسلحة متقدمة جدا من الجيل الخامس والسادس من الصين وروسيا وكوريا الجنوبية بل موافقة تلك الدول على تصنيعها محليا، والسعودية لن تتراجع عن تنويع علاقاتها مع الجميع، فقط تراهن على الحصول على أثمان باهظة من أمريكا مقابل إعادة توازن العلاقات فقط بين الغرب والشرق.

 لن تقبل السعودية دفع أثمان باهظة مجانية، أي تطبيع مع إسرائيل بدون إقامة دولة فلسطينية وفق معاهدة على غرار معاهدة كامب ديفيد، خصوصا وأن إسرائيل بعد أقامتها علاقة مع السعودية كقائد ستحصل على مكاسب جمة غير مسبوقة ستطبع معها جميع الدول العربية والإسلامية الأخرى، ليس هذا فحسب بل ستشترك في الممر الهندي الأوروبي الأخضر الذي يمر بالسعودية.

 لذلك ستعول إسرائيل كثيرا على إقامة علاقة مع السعودية، لكن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بسبب قوة تمسكه بالدولة الفلسطينية انطلاقا من مركزية القضية الفلسطينية للسعودية وللعرب، وانطلاقا من موقع القيادة والريادة التي تمثلها السعودية للعرب وللمسلمين خصوصا وأن السعودية عبر وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان قاد مجلس للجامعة العربية والتعاون الإسلامي جاب العالم أثمر عن موافقة 148 دولة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، واليوم تستضيف السعودية اجتماعا استثنائيا لبحث جرائم إسرائيل بسبب ذلك يتعرض سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتشويه ممنهج لكنهم سبق أن جربوا سمو ولي العهد من الصعب ابتزازه للتنازل عن إقامة الدولة الفلسطينية.

أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى

 Dr_mahboob1@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *