الألعاب الأولمبية… نصف قرن من المشاركات الشرفية

د. سليمان الذييب
د. سليمان الذييب

انتهت قبل أيام الألعاب الأولمبية في نسختها البارسية، وبعيدًا عما شاب حفلي الافتتاح والختام من اعتراضات على بعض المشاهد التي أظهرت امتعاض غالبية الجماهير، فقد تبين أن القائمين على الحفل أرادوا إرسال رسائل معينة خصوصًا فيما يخص “المثليين”.

وقضية المثليين (الشواذ) لا يخلو منها مجتمع قديم ولا حديث، بل أن مناقشة وضعهم كانت من قِبَلِ أهل العقد والحل في هذه المجتمعات. ولا زلت أذكر كتابًا قيمًا للأستاذ المرحوم “عبدالرحمن الشرقاوي” رئيس تحرير مجلة “روز اليوسف” في القرن الماضي عن “الأئمة الأربعة”، تناول فيه عدد من القضايا منها: وجهة نظرهم عن “الخرنثى” في بغداد عاصمة النور والحضارة وقتها. ومع الفارق بينهما فالأول “الشاذ” لا شك مخالف للفطرة والشرائع السماوية ومنطق العقل. أما الثاني فهو نتيجة عيب خلقي. وقد لفت انتباهي رأي المذهب الحنبلي الذي رأى “بناء مدينة خاصة بهم وجعلهم يعيشون فيها”، فيما فضل الاخرون “قتلهم”. والفارق بين وضع هؤلاء الشواذ اليوم عنهم بالأمس يكمن في أمرين، هما:

الأول: شرعنة هذا الفعل الشاذ الذي فرض نفسه بقوة في المجتمع الغربي بعد تقاعس الكنيسة وصمتها المريب، الذي يعود في رأيي إلى محاولتها استقطاب تابعين في ظل ابتعاد المجتمع عن الكنسية في القرنين الماضيين. لكن موقف الكنيسة في هذه المرة كان مخالفًا لتوجهاتها ومنهجها في الماضي فقد تشجعت الكنيسة واعترضت على هذه المشاهد خصوصًا بعد موقف وزيرة التعاون الدولي القطرية التي أبانت بتغريدة لها الموقف الفطري ضد هذه التوجهات، إضافة إلى موقف عدد من الكنائس والشركات الأمريكية المعارض لهكذا رسائل.

ثانيهما: الدعم الكبير وغير المسبوق لهذه الأفعال باعتباره حرية شخصية وشرعنة الزواج بين الجنس الواحد، وجعله قانونيًا.

وهذان لم نجدهما في المجتمعات القديمة رغم ظهور هذه الظاهرة وانتشارها في المجتمعات المرفهة، بل والاعتقاد أن بعض القادة كانوا كذلك من خلال تماثيلهم.

لنبتعد قليلًا عن هذه الظاهرة الشاذة القبيحة ونعود إلى هذه الألعاب التي تعود -كما يقال- بدايتها إلى القرن الثامن قبل الميلاد من قبل الشعب اليوناني؛ ولا شك عندي أن ابتداع هذه الألعاب وان ربطت دينيًا بالمعبود اليوناني “زيوس” يعكس جودة في الحياة وسعادة مجتمعية. لذلك نجد الاهتمام بهذه الرياضيات في المجتمعات المتحضرة أكثر من غيرها بمراحل كثيرة.

والملفت أن الحصيلة العربية من الميداليات لم تكن مشرفة فخرجوا بحصيلة غير جيدة من الميداليات، رغم ما تميز به الجانب المغربي في السباقات الرياضية المتوسطة والطويلة. واللعبة الوحيدة التي حازت على اهتمام المجتمع العربي هي فقط “كرة القدم”.

وقد يقول قائلا -ومعه حق في هذا- العرب مشغولون بأمور أهم من الرياضة فهناك الاحتلال الإسرائيلي والصراع الشيعي والجماعات المتطرفة دينيًا أو ليبراليًا والوضع الاقتصادي السيئ في معظم دولنا، فهل تريد منا الاهتمام بالألعاب في ظل قصور واضح في: التعليم والصحة والطرق وتخطيط المدن وإهدار لأموال لا تفهم كيف تصرف وصراع خفي بين الدول لأسباب تافهة؟…… إلخ.

ومع الإقرار بهذا الوضع غير المهيأ لمثل هذه الأمور إلا أن الحاجة إلى إعطاء هذه الألعاب حقها أمر لا مفر منه، بل هو حاجة ماسة للمجتمع، فكما تعلمنا “العقل السليم في الجسم السليم”.

ولعلي اقتصر في مشاركتي هذه على المملكة العربية السعودية التي يعود اهتمام حكومتها -حفظها الله- بهذه الألعاب إلى عقود تزيد -حسب ظني على الأربعة- إلا أن النتائج الحاصلة لا تتناسب على الاطلاق مع الميزانيات الضخمة أو مع مكانة المملكة التي لا يجهلها أحد.

وحتمًا هناك خلل في المنظومة الرياضية أدى إلى هذا الفشل، وأهم هذه الأسباب قادة الاتحادات الرياضية، أغلبيهم ليسوا من أصحاب الخبرة أوالكفاءة في هذه الرياضات. قلة الدعم الحقيقي وندرته المتمثل في: الملاعب والتجهيزات والدعم المالي للاعبين وليس لمنسوبي هذه الاتحادات الذين أضاعوا الميزانيات في الانتداب وتمثيل هذه الاتحادات.

ولعل من الأهمية بمكان أن تقتنص وزارة الرياضة اليوم -التي صبت اهتمامها فقط بكرة القدم- الدعم الكبير من الدولة للقطاع الرياضي الذي نجده واضحًا في الهيئات الملكية، مثل: العلا، ونيوم والدرعية وتبني أرامكو الشركة العملاقة لنادي القادسية … إلخ.

وتقوم بدفع هذه الهيئات الملكية الجديدة لتبني دعمًا واضحًا للألعاب الرياضية “السباقات والسباحة وغيرهما”، وجلب مدربين عالمين أصحاب خبرة لمثل هذا الأمر. إذ أن تركيز هذه الهيئات على كرة القدم وجلب لاعبين بمبالغ كبيرة محليين وغير محليين لأنديتها المغمورة لا أظن أن وراءه فائدة لهذه المدن؛ فستبقى مهما حصل أندية بغير شعبية تذكر. ولن تنال هذه الأندية من كعكة الجماهير النصراوية والهلالية في الرياض أو الأهلي والاتحاد في جدة أو غيرهما من المدن. لذلك أرى أن تتدخل وزارة الرياضة لدفع الأخوة في هذه الهيئات الملكية إلى دعم رياضات ألعاب القوى في مدنها ومحافظاتها.

وأن تقوم هذه الهيئات بدورها في دعم المدارس المحلية (العام) والجامعية بما يساعد على خلق جيل يمارس بشكل واقعي هذه الرياضات. فمدارسنا مع الأسف لم تهيأ أصلًا إلا لحشر الطلاب في فصول أحيانًا تفتقد إلى المكيفات. وتقوم هذه الهيئات بإنشاء الملاعب الدرسية وتجهيزها فما شاء الله تبارك الله لديها ميزانيات ضخمة اللهم لا حسد.

وأنا على ثقة أن الأخوة في الهيئات لن يترددوا في تقليص دعهم للعبة كرة القدم التي بدأت تفتقد رونقها وجاذبيتها في ظل التعصب الرياضي الممقوت بين الأندية أو بين منتخبات البلدان العربية حتى أن هذا التعصب دفع عدد من كبار اللاعبين العالميين الدعوة إلى إدخال تغييرات على كرة القدم كي تعود جاذبة ومسلية للجماهير، وبالتالي تحويل هذا الدعم (في هذه الهيئات) إلى هذه الرياضيات، ولا أدري لماذا لا تشارك الشركات الضخمة في مثل هذا المشروع، مثل: شركة أرامكو وشركة سابك وغيرها من البنوك والشركات الأخرى.

فهل نجد عند الأخوة في وزارة الرياضة آذان صاغية وانتشال هذه الرياضات التي تعكس جودة الحياة وسعادة المجتمع أم يستمرون فقط في المشاركات الشرفية بعد مرور نصف قرن من بدء هذه الألعاب في مجتمعنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *