«نزاهة».. أنتم «مين بالضبط»؟
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
بالتحديد.. لا أعرف ما مهام ومسؤوليات وأعمال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)؟ هل هي مؤسسة توعوية تثقيفية أو جهة تقبض على المخالفين من الإداريين والموظفين الذين يبلغ عنهم الناس، أو أنها جهة قضائية أو مؤسسة تعنى بالتحقيق في قضايا الفساد وغياب النزاهة؟ ولا أعلم إن كانت أعمالها تتشابه مع المباحث الإدارية في ملاحقة من يثبت عليهم أنهم مخالفون، وهل يلزم عملها التفتيش المفاجئ لمكاتب ومقار عمل الموظفين والوقوف على المشاريع التي تنفذها مؤسسات الدولة؟ وهل عملها فقط مرتبط بالأداء الحكومي تجاه المواطنين، أو أنها جهة معنية بمراقبة كل أنواع الفساد من دون استثناء؟ وتحتار إن كان عمل هذه الإدارة الحكومية التي ستبلغ عامها الثالث خلال الأشهر المقبلة، ميدانياً أو إدارياً، وهل تكتفي بالرقابة ومراجعة السجلات والدفاتر التي ترفع اليها، أو أنها تقف على كل صغيرة من مخالفات موجودة في مؤسسات الدولة؟ وتتساءل ما صلة القرابة بين «نزاهة» وديوان المراقبة العامة؟ إذا عرفت كل إجابة هذه الأسئلة، سينوم كل السعوديين قريري العين؛ لأنهم توصلوا إلى معلومة تريحهم، بدلاً من أن يملأوا مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن الفساد في كل صغيرة وكبيرة، وهم لا يعرفون الأدوار الرئيسة لهذا الجهاز الحكومي المهم.
الجميع يعلم أن تأسيس «نزاهة» جاء بعد عامين من حادثة سيول أمطار جدة التي راح ضحيتها المئات وتضرر السكان وتلفت منازلهم، واكتشفت السعودية أكبر عملية فساد في البلاد، وهي غياب شبكات تصريف مياه الأمطار والبلايين التي أنفقت لتنفيذها، إلا أن الأمطار كشفت لنا أغطية من دون مشاريع، وهذه الحادثة التي دفعت صانع القرار في البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إنشاء هذا الجهاز الحكومي. والحقيقة كنا نتمنى وقتها لو أن «نزاهة» تولت ملف التحقيق وكشفت المستور، بدلاً من مراقبتها عن بعد، فملف التحقيق في قضية فساد سيول جدة لا تزال قائمة ولم تنتهِ، وبقية فصولها مستمرة في المحاكم، ونحن بصفتنا مراقبين كنا نتوقع أن تتولى هي زمام المبادرة في متابعة التحقيق وتزويد المجتمع بالتفاصيل أولاً بأول.
مثل كل السعوديين كنا نتطلع خلال السنوات الثلاث الماضية لأن تتحول «نزاهة» إلى خلية نحل، تفتح الملفات القديمة وتطلب كل المستندات المتعلقة بالمشاريع المتعثرة وموازنات الوزارات؛ لمطابقتها ما بين النفقات والإيرادات، وأيضاً تراجع المسؤولين الحكوميين الذين استفادوا من مواقعهم وحققوا مكاسب غير مشروعة مستغلين نفوذهم، وتتحول فروعها ومقرها الرئيس إلى حركة دؤوبة لحضور ومغادرة مسؤولين للاستجواب والتحقيق، وتفتح ملفات تعثر 25 في المئة من المشاريع الحكومية، وخسارة الاقتصاد السعودي نتيجة الإهمال نحو 40 بليون ريال سنوياً، فضلاً عن التكسب غير المشروع من موظفين ومتنفذين، وليس هذا فحسب، إذ كنا نتوقع من هذا الجهاز الحكومي أن يفتح ملفات تحقيق حينما تقع حوادث يذهب ضحيتها أبرياء نتيجة غياب الرقابة من المؤسسات الحكومية، كما حدث الأسبوع الماضي في جدة، حينما سقط طفل ووالده في حفرة صرف صحي أمام مركز تسوق، ولقيا حتفهما، وحوادث سقوط الأطفال في فتحات الصرف الصحي كثيرة والصور تتوالى يومياً في مواقع التواصل الاجتماعي بفتحات أخرى منتشرة في المدن السعودية. أليس من المفروض أن تخرج هيئة مكافحة الفساد وتعلن فتح تحقيق وتقديم الجهة المقصرة والمتسببة للعدالة، بدلاً من أن تقف كالمتفرج، من دون أي تحرك أو رد فعل. مطالبات الناس بدور أكبر لـ«نزاهة» ليس ترفيهاً، بقدر ما هو تأكيد على دورها الرئيس وحضورها بقوة، بدلاً من أن تقف في آخر الصف تشاهد، فالفساد والتقصير يجب أن يأتيا في الدرجة الأولى لتحسين صورة البلاد في المحافل الدولية بتقديم المخالفين إلى العدالة والتحقيق في المجالات التي تنفق فيها الدولة المبالغ بسخاء من أجل تحقيق نزاهة وعدالة، فالتقارير الخارجية التي تصدر من جهات ومؤسسات أجنبية وتصنف الخدمات الحكومية في مراتب متأخرة عن دول العالم، حينما صنف موقع متخصص بخدمات المطارات على مطار جدة حصل على المركز الثاني من حيث أسوأ مطارات العالم بعد مطار إسلام أباد.
وبحسب تقرير «دي قائيد تو سليبنج إن إيربورتس» وفي تصنيف أسوأ المطارات في الشرق الأوسط جاء مطار الملك فهد بالدمام في المرتبة الرابعة ومطار الملك خالد بالرياض في المرتبة الخامسة، وبين استطلاع الذي أجراه الموقع المتخصص عن أسوأ المطارات في العالم، أن مطار الملك عبدالعزيز بجدة يفتقر إلى الراحة من ناحية الازدحام وتوافر مقاعد للجلوس والراحة ودرجات الحرارة، إضافة إلى أن سبل الترفيه مفقودة، وخيارات الطعام محدودة ونقص في الأنشطة التي يمكن أن يقوم بها المسافرون في حال تأخر الرحلات وافتقاد خدمات «واي فاي»، ويفتقر المطار إلى النظافة فالحمامات غير نظيفة وكذلك صالات الطعام غير منظمة، إلى جانب أن خدمة العملاء ضعيفة جداً ولا تقدم المساعدة المطلوبة.
بالطبع مجالات التحرك لـ«نزاهة» كثيرة ومفتوحة، فصانع القرار منحها صلاحيات غير محدودة للاستجواب والمتابعة وكشف كل ما يهم تحسين صورة البلاد في الخارج، وأيضاً ملاحقة كل من يتلاعب بمقدرات البلد ومكتسباتها وأموالها. المباني المدرسية. التلاعب بالسعودة. بيع التأشيرات والفيز. المحسوبية المنفعة. الواسطة معوقات التنمية وغيرها من أوجه الفساد، يجب أن يُلاحَق المسؤول ويقدم للعدالة. الناس تنظر إلى هيئة مكافحة الفساد إلى أنها CIA والـ FBI هذين الاسمين تخيف الدول ويرتعش منها الأفراد في الولايات المتحدة الأميركية. السعوديون يريدون أن تكون «نزاهة» اسماً مرعباً ومخيفاً لكل من تسول له نفسه أن يتكسب أو يحقق مكاسب من وراء منصبه. وليس مؤسسة ترسل مواعظ ورسائل نصية وتشارك في معارض، وتقيم ندوات توعية، كل هذه الأنشطة يجب أن تتركها لمؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمعاهد، أما دورها فيجب أن تكون على أهبة الاستعداد، رافعة أنفها لتشم أي رائحة فيها شبهة فساد.
جمال بنون
نقلا عن “الحياة”