الخوارج ،، التأريخ يتحدَّث

أحمد بن عبدالله الحسين

الوعي بالتاريخ الماضي قد يضيف قيمة، وأحيانا أُخرى لا يضيف إذا أشغل الناس بجدل دونما فائده علمية أو عملية. وفي التأريخ العربي الإسلامي ظهرت فرقة أُطلق عليها الخوارج، وهي فرقة من الفرق الإعتقادية، وحركة أصطبغت بغلو وإنحراف لفهم الإسلام. عنفها كان في القرون الأولى تحديدا، حيث شغلت الدولة الإسلامية فترة طويلة من الزمن. تمكنوا فيها من بسط نفوذهم على بقاع واسعة من الدولة الإسلامية في المشرق وفي المغرب العربي وما جاورها من المناطق الإفريقية، ولا تزال ثقافتهم ممتدة إلى يومنا.

عند الباحثين ما كتبوه الخوارج وفرقهم نادر التحصيل خصوصا في القرون الأولى، وأكثر ما يُرجع إليه عند البحث عن الخوارج هو ما كتبه علماء أهل السنة، وهم نقلوا عنهم ما عرفوه.

أسم الخوارج تعددت المرويات عن أصل تسميته، إلا أن الأغلب يذكر التسمية أُطلقت لمن خرج من جيش الإمام علي ولم يُطيعوه، وذلك حينما قَبَل بالتحكيم في معركة صفين التي كانت بينه وبين معاوية بن أبي سفيان. تذكر المرويات أن الامام علي رضي مُكرهاً بالتحكيم الذي تمثل بإبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص حقنا لدماء المسلمين وهذا زاد نقمة الخوارج عليه.
التفسير للتسمية المذكوره قاله كثير ممن كتبوا عن الفرق الإسلامية، وكذلك المؤرخين وأصحاب التراجم، بل ودوائر المعارف حينما يذكر مصطلح الخروج، وفعل ذلك المُحدثون الذين كتبوا عن الفرق الإسلامية كالشهرستاني في الملل والنحل، وإبن عبد البر في التمهيد، والطبري وإبن كثير في كُتب التاريخ، ومحمد حسين الذهبي كتاب الخوارج وموقفهم من تفسير القران الكريم، وسليمان الغصن في كتاب الخوارج.

الخوارج تعددت الأوصاف لهم عبر الزمن والتي نختار أمثلة لها؛ الحرورية التي تُنسب إلى مكان خرج فيه أسلاف الخوارج عن الأمام علي، وهي حروراء تقع قرب الكوفة المارقة، وهذه التسمية التي وصفها خصوم الخوارج مستدلين باحاديث المروق الواردة في الصحيحين، وذلك في مروقهم من الدين كمروق السهم من الرمية. والحديث مروي عن علي حيث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؛ سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة.

معتقدات الخوارج نذكر منها أنهم يحكمون بالتكفير على العصاة أصحاب الكبائر، وهو كفر ملّة وأنهم خارجون عن الإسلام ومخلدون في النار مع سائر الكفار، وهذا رأي أكثرية الخوارج وهم كفرقة المحكِّمة والأزارقة والنجدات والصفرية مع تأويلات تختلف بينهم رغم ثبوت حكم التكفير. أما الإباضية التي يدور عنها الكلام فهي تختلف عن فرق الخوارج، بل ليسوا منهم كما تذكر مصادر الإباضيه، وهي بدايتها الأولى البصرة وتُنسب إلى عبدالله بن إباض التميمي الذي نشأ في زمن معاوية بن أبي سفيان، وكان معتدل وجامع للكلمة ومناظر للخوارج. عبدالله بن إباض الذي تابع في أراءه الأب الروحي لهذا المنهج التابعي الشهير جابر بن زيد الأزدي العُماني (21-96هـ). ومعروف أن الإباضيه بعدها أمتدت من البصرة إلى عُمان وحضرموت والمغرب العربي. وأن موضوع التكفير عند الإباضية يُخالف بقية فرق الخوارج وهو؛ إن أصحاب الكبائر يعتبرونهم أهل نفاق وهم بين منزلة الإيمان والشرك وهذا الحُكم ذكره علماء الإباضية منهم أبي إسحاق الإباضي حيث يقول؛”ولهذا أطلق أصحابنا النفاق عليها
يعني بها الكبائر كما أطلقوا الكفر فصار النفاق فيها مرادفاً لكفر النعمة”. وكفر النعمة هذا عندهم لا يخرج من ملّة الاسلام وتجدر الإشارة أن الإباضية الذين يُنسبون إلى عبدالله بن اباض التميمي هم يختلفون في مسائل عن الخوارج، بل علماءهم ومؤرخيهم يستنكروا من ألحقهم بهم، ويوافقوا أهل السنه والجماعه في مسائل ويخالفوهم في أخرى تفصيلها يطول.

الأمر الأخر في معتقدات الخوارج يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان في وقت الأحداث التي نُقم عليه من أجلها، ويقولون بإمامة علي قبل أن يرضى التحكيم وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم.

وكذلك يعتقد الخوارج تكفير بعض الصحابة مع أن بعضهم من المشهود لهم بالجنة، فهم يرون أنهم قد كفروا ببعض الذنوب التي أقترفوها مع أنها كانت في الحقيقة لم تكن ذنوبا، بل إجتهاد في مسائل معينه كما هو حال التحكيم في صفين، والتكفير عندهم شمل عثمان وعلي طلحة والزبير وعائشة ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري، وأهل التحكيم ومن رضي به من غيرهم.

خاتمة
الخوارج عبر التاريخ فرقة كثر فيها الضلال تركت بصمة مؤذيه في تاريخ الأمة الاسلاميه، وتتابع أفكارها ومعتقداتها في الغلو والتكفير أمتد إلى هذا الزمان، بأسماء مختلفه وحجج كالتي فعلها الأولون من الخوارج. فهم مفرقون للأمه، أفعالهم تنفع الاعداء والمتربصون. ويبقى أعتقاد المسلم مُستنيرا بقول الحق عزوجل {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖوَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *