السياحة الدينية: واحة خصبة للابتكارات والتنوع الاقتصادي
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
شاركت لأول مرة في مؤتمر تسويق الدول والأماكن في جامعة لينكولن شمال بريطانيا عام 2011م، بتقديم ورقة بحثية حول تسويق السعودية والأماكن من خلال السياحة الدينية، بعنوان: (The Spiritual Journey to Makkah: Re-Promote the Greatest Civilizations the World Has Ever Know) ، عرض البحث مقومات الأماكن الدينية والحضارات المرتبطة بها عبر العصور حتى الوصول للعصر الإسلامي والطلب المتنامي لزيارة الأماكن المقدسة في الحج والعمرة. الطلب المتنامي العالمي طوال أيام السنة لزيارة السعودية لأهداف دينية يعطي ميزة تنافسية فريدة غير متاحة لأي دولة على مستوى العالم. استراتيجية Pull Push، تتيح للجهات السياحية في السعودية من إعادة توجيه الزوار للسياحة الدينية لزيارة مواقع ومدن أخرى داخل المملكة العربية السعودية مما يساهم في تعزيز إيرادات الاقتصاد السياحي وتنوع مصادر الدخل القومي.
تسهم السياحة بشكل كبير في الاقتصاد، حيث أظهرت الإحصائيات نسبة نمو بلغت 58% في عدد السياح الوافدين إلى السعودية خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2023م، مع ارتفاع بنسبة 142% في إجمال عدد السياح، وصل إلى 14.6 مليون سائح وافد في النصف الأول من 2023م. بلغت نفقات السياح 87 مليار ريال بزيادة تجاوزت 132%. ساهمت السياحة الدينية في 45% من نمو حجم إيرادات السياحة الوافدة إلى السعودية، زيارة الأصدقاء 23%، الترفيه 20%، الأعمال 6%، وأخرى 6%. يُحسب تأثير السياحة على الاقتصاد من خلال زيادة الإنفاق في القطاعات المرتبطة بالسياحة، مثل الفنادق والمطاعم والتسوق.
حسب منظمة السياحة العالمية، يعرف مصطلح “سائح” بأنه يشمل أي فرد يسافر ويقيم في وجهة معينة لمدة زمنية لا تقل عن 24 ساعة ولا تزيد عن سنة لأغراض ترفيهية، صحية، رياضية، دينية، عائلية، أو المشاركة في فعاليات أو مؤتمرات.
التكامل والتناغم بين الوزارات المختلفة والجهات المعنية وكل أصحاب المصالح المشتركة ساهم في النمو الكبير في نسبة السياحة خاصة الدينية بأن تحقق السعودية أعلى رقم تاريخي في إنفاق الزوار القادمين للمملكة حتى نهاية الربع الثالث من عام 2023م (يشمل موسم شهر رمضان المبارك والحج) حسب بيانات بند السفر في ميزان المدفوعات، بحجم إنفاق يتجاوز الـ 100 مليار ريال محققةً فائضًا يقدر بـ 37.8 مليار ريال، ونسبة نمو 72% مقارنة بالفائض المحقق خلال نفس الفترة من عام 2022م.
تعتبر السياحة في المملكة العربية السعودية ظاهرة متنوعة ومتعددة الأوجه، حيث يمكن تصنيفها إلى عدة أنواع تشمل سياحة الترفيه، والمعارض، والثقافية، والمؤتمرات، والعلاج، بجانب السياحة الدينية التي تشهد إقبالًا كبيرًا. ساهمت التعديلات في لائحة تأشيرة الزيارة وبرامج الربط الجوي في تسهيل دخول الزوار لمختلف الفعاليات والفئات السياحية. منصة تأشيرة السعودية تُمكِّن فكرة القدوم وتسمح بالعبور وأداء العمرة وزيارة الحرمين الشريفين والتعرّف على معالم المملكة بكل سهولة ويسر. يضاف لذلك، التأشيرة الخليجية الموحدة التي تتيح لأي زائر لدول الخليج لزيارة دولة خليجية أخرى بنفس التأشيرة مما يتيح تنافس وتكامل بين دول الخليج في الجذب السياحي وهي دول لديها بنى تحتية متطورة ومناطق جذب سياحي واستثماري وتعليمي وتتميز بالأمن والأمان مما يتيح سياحة عائلية مميزة.
ساهمت منظومة النقل في زيادة حراك الاقتصاد العالمي، حيث أن 57-60% من الحراك البشري العالمي يتم من خلال منظومة الطيران، التي تلعب الدور الأكبر في جذب الملايين إلى المملكة العربية السعودية لزيارة المشاعر المقدسة والمناطق الدينية والتاريخية. لتحقيق مستهدفات برنامج ضيوف الرحمن. في مؤتمر ومعرض خدمات الحج والعمرة تم الإعلان عن إطلاق شركة السعودية للحج والعمرة والحصول على رخصة تقديم خدمات الحج والعمرة من قِبل شركة الخطوط السعودية انطلاقا من مطار الملك عبدالعزيز في جدة، وشركة طيران ناس لخدمات المعتمرين انطلاقا من مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز في المدينة المنورة بهدف الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن بشكل كبير. تخطط شركة السعودية للحج والعمرة للاستثمار في طائرات ليليوم الكهربائية لتسهيل نقل ضيوف الرحمن من جدة إلى مكة المكرمة، وهي خطوة تعزز مستوى الخدمات في سوق الحج والعمرة وتساهم في تحقيق أهداف المملكة لتحسين خدمات الحجاج والمعتمرين.
يتوقع المجلس العالمي للسفر والسياحة أن تحتل مدينة جدة المركز السابع عالمياً من حيث الأعلى نمواً في الإنفاق على السياحة خلال لـ 10 سنوات القادمة. تعتبر جدة المدينة العربية الوحيدة في قائمة العشر مدن الأكثر نمواً في الأنفاق السياحي وهذا يعود للمشاريع التنموية في جدة والنمو الكبير للسياحة الدينية بفضل مستهدفات مشاريع برنامج خدمة ضيوف الرحمن التي تلعب دورًا هامًا في النمو السياحي بالمملكة وتعد واحدة من أهم أنواع منظمات السياحة العالمية التي تساعد في بناء ثروة معلوماتية ومعرفية أدق لسلوكيات ملايين القادمين للعمرة والحج وتوجيههم لمناسبات مثل المؤتمرات والمعارض والمواسم الترفيهية والرياضية والثقافية والطبية وغيرها مما يتناسب مع اهتماماتهم المختلفة لحراك اقتصادي مناطقي.
تعمل رؤية المملكة على رفع أعداد القادمين للحج والعمرة لتصل إلى ثلاثين (30) مليون بحلول عام 2030م. موقع المملكة الجغرافي والطلب المتزايد على السياحة الدينية يجعل الاستثمار في السياحة الطبية لتقديم أفضل الممارسات الطبية في المنطقة الغربية ومدينة جدة كبوابة للحرمين عامل جذب سياحي وهو ما جعل أهم المستشفيات المحلية الحكومية والخاصة وجذب الاستثمارات الدولية في القطاع الطبي للتواجد في المنطقة. تبرز السياحة الطبية بزيارة الأفراد لتلقي العلاج والرعاية الصحية في المملكة، حيث توفر مرافق طبية متقدمة وخدمات علاجية متنوعة.
يتنوع الجذب السياحي في مجالات الثقافة والترفيه وسياحة المؤتمرات والمعارض، مما يجعل المملكة وجهة شاملة لمحبي التنوع والاكتشاف ويسهم في تعزيز التفاهم الثقافي وتعزيز الروابط بين الشعوب من خلال تقديم فعاليات متنوعة من الحفلات والفعاليات الثقافية وزيارة المناطق الأثرية والتاريخية مثل مدينة الدرعية والعلا ومدائن صالح وتبوك ونجران، مما يجذب السياح من مختلف الجنسيات. يضاف لذلك، السياحة البيئية تشكل عنصر هام في الحراك التنموي الكبير حيث تمكن السائح من استكشاف الحياة البرية والاستمتاع بالطبيعة في مشاريع البحر الأحمر ونيوم والمحميات الطبيعية في الصحاري الرائعة.
خلال مؤتمر ومعرض خدمات الحج والعمرة الذي أختتم في بداية يناير 2024م، طرحت وزارة الحج والعمرة عددا من الفرص لرواد الأعمال حول العالم لإيجاد الحلول الابتكارية والإجراءات التطويرية بما يقدم تجربة ثرية لضيوف الرحمن والاستفادة من التسهيلات الحكومية الخاصة في دعم وتمكين الشركات الناشئة والقائمة لتكامل خدماتها مع منظومة نسك تحقيقاً لمستهدفات رؤية السعودية 2030، من خلال التشجيع على الريادة والابتكار.
ختاما، استمرار الاستثمارات السعودية الكبرى في الابتكارات التي تدعم تنوع الاقتصاد وتساهم في جودة الحياة من خلال دعم الشركات الناشئة، جعل المملكة تحقق المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للمرة الأولى من حيث حجم الاستثمار الجريء في عام 2023. يضاف لذلك، الاستثمارات في تطوير المطارات وتوفير وسائل النقل وتحسين الفنادق والمنشآت السياحية، مع تسهيلات لا محدودة في تأشيرات الزيارة وتعزيز الترويج السياحي، مما يؤكد التزام المملكة بتحسين تجربة الزوار وجعلها أكثر راحة ويسر. كل ذلك عزز اقتصاد السياحة وجعل المملكة وجهة متكاملة للزوار من مختلف أنحاء العالم تحقيقا لرؤية 2030 ورفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي وجذب 100 مليون زيارة سنويًا. التنوع السياحي يمثل مستقبل واعد للمملكة العربية السعودية وكل ذلك تم لأننا نحلم ونحقق.