ليت روندا “الحديثة” دولة عربية
في الوقت الذي تحولت فيه الكثير من الدول إلى دول طاردة لأبنائها؛ بسبب الظروف الاقتصادية، متعذرة بعدم وجود موارد طبيعية فيها ، كانت بعض الدول في شرق آسيا والتي لها نفس الظروف تحقق إنجازات عظيمة دفعتها لمصاف الدول الغنية ، مثل سنغافورة، والتي صُنف اقتصادها بالأكثر انفتاحًا في العالم، وثالث أقل اقتصاد من حيث الفساد ، كما صُنف أيضاً كأكثر اقتصاد يدعم الأعمال التجارية. وهي تحتل المركز الثالث في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد .
أما تايوان وهي أحد النمور الأربعة في شرق آسيا فتحتل المركز 22 ضمن الأكبر اقتصاداً في العالم ، رغم أن مساحتها نصف مساحة اسكتلندا . وقس على ذلك هونج كونج وكوريا الجنوبية وماليزيا . فهذه النمور الآسيوية فرضت اقتصادها على العالم رغم أنها لا تملك أي موارد طبيعية .
عندما فكرت في عناصر هذا المقال ، ركزت على محاولة المقارنة بين الكثير من تلك الدول وظروف شعوبها وضعف اقتصاداتها ، وبين تلك الدول الآسيوية ذات الظروف المشابهة . لكن قبل أن أبدأ ظهرت أمامي تجربة أكثر صعوبة وتحد وتعقيداً . ألا وهي تجربة رواندا التي لا يُذكر أسمها إلا ومعه ذكريات المجازر التي حدثت بين عامي 90 و94 بين قبيلتي الهوتو والتوتسي ، والتي راح ضحيتها ما يقارب المليون إنسان ، وأكثر من نصف مليون حالة اغتصاب، كما أنها لا تملك من الموارد الطبيعية غير حيوان الغوريلا – إن صح التعبير – وزراعة البن والشاي .
رجل واحد قلب المعادلة وحقق المعجزة . هذا الرجل هو “بول كاجي”، الذي ينتمي إلى قبيلة التوتسي “الأقلية”، وكان قد خرج من بلاده طفلاً لاجئاً وعاد محارباً مدافعاً عن قبيلته التي أُبيدت في الحرب . تجربة هذا البطل جديرة بالاهتمام والتمعن . فبعد حرب قبلية تحدث عنها العالم، وضع البلاد على الطريق الصحيح؛ فحارب الفساد والرشوة، وسهّل الاستثمار وطبّق القانون على الجميع ، وضاعف إنتاج البن من 30 ألف طن إلى 15 مليون طن ، وحوّل بلاده من طاردة لأبنائها ، إلى جاذبة لأكثر من مليون سائح كل عام . كما ضاعف الناتج المحلي 10 أضعاف خلال 13 سنة فقط ، حتى تراجع الفقر من 60 إلى 39 %؛ مما ساهم في ارتفاع عمر الفرد من 48 إلى 64 سنة .
“بيت القصيد”، الذي أردت الوصول إليه ، هو أن بناء اقتصاد الدول لا يعتمد فقط على الموارد الطبيعية . إنما يعتمد على الشفافية ، ومكافحة الفساد والرشوة ، ودعم التعليم والتركيز على جوانب القوة فيها ، ناهيكم عن تجريم التفرقة بين فئات المجتمع .
ليت “رواندا الحديثة” دولة عربية . ولكم تحياتي
أحسنت النشر بارك الله فيك أخي الكريم