متجر الكتاب العربي من أدب وفن إلى جملون.. ربح ضئيل وسلسلة إمداد مكلفة
في بداية هذا العام 2023م أعلنت إدارة موقع “جملون” الإلكتروني لبيع الكتب عن إغلاق الموقع بعد انهياره التام وعدم قدرته على تلبية طلبات العملاء، وعدم وفائه أيضًا في إتمام وإيصال طلبات الكتب التي دُفعت قيمتها عبر الموقع وينتظرها العملاء.
وهذا يعيدنا إلى عام 2012م حين أعلن موقع “أدب وفن” الجميل عن إغلاق نوافذه، وأعلن وقتها عن الاندماج مع موقع “نحل”، وقامت شركة أرامكس للتوصيل التي كانت تدير وتمتلك كلا الموقعين، بتحويل جميع عملاء “أدب وفن” بشكل تلقائي إلى “نحل” بمجرد دخولهم إلى الموقع المغلق، ولكن لم يستمر الموقع الجديد طويلا حتى أغلق نوافذه هو أيضًا.
ما يجمع بين هذه المواقع الثلاث ليس أنها ربما بدأت جميعها من الأردن، وليس الإعلان عن إفلاسها وإغلاقها، وليس لعلاقتها وشراكتها مع شركة أرامكس؛ بل ما يجمع بينها هو أن ليس لها علاقة بالكتاب، ولم يأت تأسيسها من خلفية وخبرة في صناعة ونشر الكتاب، وكذلك غيرها من متاجر الكتب الإلكترونية المشابهة التي لم يكتب لها الشهرة ولا حتى النجاح خلال العقدين الماضيين، إما لصغر حجمها ومحدودية جغرافيتها وقلة إمكانياتها، أو عدم استثمارها بتحويلها إلى مشاريع ونقلها إلى مستوى أكبر.
فموقع “أدب وفن” يعود إلى شركة التوصيل أرامكس التي فكرت في استثمار أسطولها الكبير من أجل إيصال الكتب ولكنها فشلت وتوقفت، ومن بعده جاء موقع “نحل” كمتجر للإلكترونيات يركز على بيع الكتب ويتبع شركة تقنية مقرها ربما كان في دبي وأعتقد أنها كانت تابعة لأرامكس أيضًا، وكانت تطمح في تأسيس موقع إلكتروني شبيهًا بسوق.كوم الذي انطلق لاحقًا عام 2005م وحقق نجاحًا ثم استحوذت عليه أمازون، حيث تخصص “نحل” في التسوق الإلكتروني للكتب العربية والمجلات والأفلام والإلكترونيات من ألعاب وأجهزة وكذلك الساعات والعطور والألعاب ومستلزمات الكمبيوتر وغيرها، ولكنه فشل في نهاية المطاف، لينجح من بعده متجر سوق.كوم ثم أمازون.
يمكن قراءة بعض أسباب الفشل، بالنسبة لأرامكس هو تركيزها بداية من خلال موقع “أدب وفن” على الكتاب فقط وإهمال تأسيس موقع لبيع كل شيء مثل سوق.كوم الذي جاء بعدها بسنوات وحقق النجاح، وذلك في ظل امتلاكها لأسطول نقل كبير كفيل بنجاح المشروع، ناهيك عن قلة الخبرة في صناعة الكتاب، فصناعة الكتاب أكبر من مجرد بيعه. لذلك أغلقت “أدب وفن” وأعلنت عن إطلاق “نحل” الذي انهار سريعا ولا تُعرف أسباب انهياره الفعلية.
ظهرت مشاريع فردية أو صغيرة أخرى في عدد من الدول العربية تتبع إما مكتبات أو دور نشر صغيرة ومتوسطة الحجم لكنها فشلت أيضًا، لأن الكتاب وحده لا يبني مشروعًا أو نموذجًا تجاريًا مربحًا. ثم ظهر مشروع كبير وواعد حينها وهو موقع “جملون” الذي اشتهر وتوسع من بعد عام 2014م بسبب شراكته مع شركة أرامكس وحصوله على تمويل منها، ولكن في نهاية المطاف انهار ولم يتمكن من البقاء رغم شعاراته الكثيرة مثل (أكبر متجر عربي) و (الشحن مجاني حول العالم) و (أكثر من تسعة ملايين كتاب)، ويمكن لي تحديد أحد أسباب الانهيار سواء لجملون أو من سبقه من متاجر إلكترونية، وهو حجم التوظيف والرواتب وتكاليف التوصيل مع هامش الربح الضئيل المتوقع من بيع الكتاب فقط بدون وجود منتجات أخرى تغطي جوانب الخسارة.
فالكتاب في العالم العربي لا يغني المُنتج وهو المؤلف، ناهيك عن سلسلة إمداد طويلة ومكلفة تبدأ من الكاتب ثم الناشر والمدقق والمراجع والمطبعة ومصنع الورق حيث سعر الورق في ارتفاع مطرد، لتصل إلى الموقع الإلكتروني لبيع الكتب الذي يحتاج إلى برمجة واستضافة وتخزين سحابي وشبكة دفع وأمان عالية، مرورًا بشركة التوصيل، ونهاية بالقارئ المشتري الذي لا يشتري عددا من الكتب كما كان في السابق، وصار يكتفي بكتابين بدلًا عن خمسة، أضف إلى ذلك أن معدلات القراءة تشير إلى ضعف القراءة في الوطن العربي. ناهيك عن ظاهرة القرصنة وجيوش المهووسين بنسخ PDF المجانية. ففي هذه السلسلة الطويلة المكلفة يضيع هامش الربح وهو قليل جدا وأقل بكثير من أي منتج استهلاكي آخر غير الكتاب، ولم تتعلم هذه المتاجر من درس أمازون التي بدأت من خلال بيع الكتاب فقط، ثم تطورت وأصبحت على ماهي عليه اليوم تبيع كل شيء، ولم تتوقف عند حدود الكتاب.
وعلى النقيض من هذه المتاجر العربية، يبرز موقع “نيل وفرات” الذي تأسس عام 1998م، وانطلق فعليًا بداية الألفية من قلب الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، ولا يزال يعمل في إيصال الكتب إلى اليوم، هذا الموقع لم يأت من فراغ بل تأسس من داخل رحم دار نشر معروفة وكبيرة ومن مؤسسة تحترف صناعة وبيع الكتاب. والعاملين في الموقع ربما هم نفسهم العاملين في دار النشر، سواء زاد عددهم أو قل. فمشروع مثل هذا يصعب فشله لأنه في أضيق الأحوال ستتولى دار النشر تشغيله وكأنه بمثابة موقعها لتسويق إصداراتها قبل تسويق كتب الآخرين.
كان أول طلب لي من موقع نيل وفرات عام 2007م، أتذكر لحظة الفرح التي غمرتني عند وصول الشحنة وعليها ختم مراقبة وزارة الإعلام، بالنسبة لي كان بمثابة إنجاز أن اشتري كتابا وأدفع ثمنه عبر الإنترنت بلا تواصل حقيقي وجسدي مع بائع في مكتبة. وكان أول طلب من موقع “أدب وفن” عام 2010م، ولم من أطلب من غيرهما أبدًا باستثناء أمازون.
لذا إن لم تكن شركة متكاملة مثل مكتبة وموقع جرير في السعودية أو ناشرًا ناضجًا وخبيرًا مثل الدار العربية للعلوم ناشرون في لبنان، على سبيل المثال لا الحصر، فلن يمكنك العيش والمتاجرة من مجرد بيع الكتب عبر الإنترنت، فأنت بين مطرقة هامش الربح الضئيل جدًا حيث لن يترك لك الناشر ولا شركة التوصيل إلا الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وسندان سلسلة الإمداد وخدمة التوصيل المكلفة جدًا.