الرأي
الأحساء.. مونديال وثروات وتراث
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
تنفيذًا للتوجهات والتغيرات في تعامل المملكة داخليًا وخارجيًا؛ فقد انتهزت سلطات محافظة الأحساء مناسبة كأس العالم التي اقيمت في دولة قطر والتي حققت نجاحًا واضحًا بلغت تكاليفها (250) مليار دولار؛ وبغض النظر عن النقاش الصحي حول ما يراه البعض من أهمية النتائج التي حصلت عليها قطر أو العرب أو المسلمين سواء إيجابية أو سلبية، فرآها البعض فرصة لسماع القرآن الكريم او دعوة غير المسلمين للإسلام.
والمثير عندي أن محاولات البعض الإيهام أنها فرصة لنشر الدين الإسلامي أو سماع القرآن ان الغرب على وجه الخصوص في مدنه مئات المساجد ويعيش في مجتمعه ملايين المسلمين؛ كما أن الجاليات غير المسلمة في بلداننا وخصوصا الخليج العربي؛ فلماذا لم يتمكن العربي الخليجي من دعوة غير المسلمين في بلداننا ولما لم يتمكن المسلم من التأثير على هؤلاء في بلدانهم وسحبهم إلى الإسلام والإجابة عندي أننا -اليوم- لا نتعامل بالمنهج الإسلامي. لذلك لم نتمكن سواء أهل الخليج أو المسلمين المهاجرين من التأثير عليهم.
وبغض النظر عن هذا النقاش من جدوى مشاركة دول من العالم الثالث عندها أولويات تزيد أهميتها عن إقامة فعالية ذات بُعد ترفيهي في تنظيم هكذا نشاطات؛ فقد كما ذكرت أعلاه انتهزت محافظة الأحساء التي لا تبعد عن دولة قطر إلا (180 كم) فنظمت فعاليات ثقافية بهدف جذب حضور المونديال و”صرف بعض من الدولارات” في المحافظة.
وكان من ضمن الجهات المشاركة في هذه التظاهرة هيئة الآثار ممثلة بمكتبها في الأحساء، وبقيادة فريق من الهيئة برئاسة الزميل “جاسر الحربش” المدير التنفيذي للهيئة.
وقد وجه ليّ الدكتور الحربش دعوة لزيارة هذه الفعاليات والمشاركة بدعم هؤلاء الشباب: محمد المطرودي “مدير الفرع”، وخالد العويفير “مسئول الحرف” والآثاري “سامي العبود” الذي ما زال صامدًا وحاملًا على كتفيه وبكل أريحية هموم الآثار والمحافظة عليها.
وأصدقكم القول إني لم أكن متحمسًا لهذه الفكرة فقد ظننتُ أن المسافة بين الدوحة والأحساء وأمور أخرى من عوامل عدم نجاحها، وورد في خاطري أنها (أي التظاهرات الثقافية) نوع من أنواع الهياط الإعلامية (البروبجاندا) (الأمر الوحيد الذي نجح العرب والعالم الثالث فيه) لكن صَدَقَ من قال: “ليس من سمع كمن رأى”؛ فقد تبين ليّ أن الفعاليات قد نجحت إلى حد غير متوقع في استقطاب أجانب المونديال، ومن جنسيات عدة (بولندية وألمانية وفرنسية …، بل وعربية). إضافة وهو الأهم عندي استقبال الأهالي لهذه الفعاليات ومشاركتهم الفاعِلة بشكل مكثف بحيث أبدى البعض رغبتهم في استمرارها مدة أطول خصوصًا الترفيه المسائية.
ولمن لا يعرف الأحساء -التي يزيد عدد سكانها عن المليون نسمة- تقع ضمن المنطقة الشرقية من هذا البلد الكبير المملكة العربية السعودية؛ وتبعد عن العاصمة أكثر من “300 كم” قليلًا، وتبلغ مساحتها “379,000 كم²”، أي ما يُعادل 20% من مساحة المملكة.
وفضلها وفضل أهلها الطيبين بعد الله- على بلدنا الحبيب لا يمكن اغفاله، فهي موطن الثروات المعدنية: البترول والغاز والمعادن الثمينة منها، كيف لا وبها أكبر حقل نفط في العالم ينتج ما يزيد على خمسة ملايين برميل (800,000م3) من النفط يوميا أي ما يُعادل “6.25%” من الإنتاج العالمي. وبفضل ذلك فإن حجم مساهمة الأحساء في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة يقدر بحوالي “378 مليار”. وفوق هذا فهي أرض زراعية خصبة؛ لذلك استقر بها الإنسان منذ أكثر من “8000” سنة من الآن.
تعرضت المحافظة -لفترة من الزمن- إلى نوع من الاهمال؛ لكنها وهو ما شاهدته بنفسي تعيش منذ أكثر من عقدين فترة ازدهار واضحة في جوانب عدة.
ومن الأمور التي تحسب لأهلها الطيبين عن غيرهم من بقية مناطق المملكة، احتفاظهم بتراثهم (تضايقني هذه الكلمة) المادي وغير المادي بشكل يسعد الصدر ويثلجه. فنادرًا ما تجد حساويًا لا يهتم بنفسه بمزرعته أو مواشيه بخلاف أبناء المناطق الأخرى فقد تخلى أغلبهم عن مباشرة هذا النوع من الأعمال تاركينها لموظفيهم؛ لذلك اشتهرت بواحاتها ونخيلها التي تزيد على ثلاثة ملايين نخلة، وتنتج أكثر من مائة ألف طن من التمور سنويًا، أي ما يُعادل 10% من إنتاج المملكة ومنتجاتها الزراعية اللافتة. كما أنهم متمسكون بكل ما له علاقة بحياتهم اليومية، فلم يتخل الحساوي عن هذه المظاهر الثقافية العريقة، رغم معرفتهم واطلاعهم على التقنية الحديثة بسبب شركة “أرامكو” قبل غالبية مناطق المملكة ومحافظاتها بمدة.
والأمر المحزن عندي أن البعض منا لا يعلم مع الأسف ان الإحساء “المنطقة والسكان” قد أدوا ويؤدون دورًا حضاريًا متميزًا يعود إلى أكثر من “6000 سنة” قبل الميلاد؛ فقد كانت إلى ما قبل نصف قرن أهم مناطق الخليج العربي وأكثرها جذبًا.
ولابد ليّ الإشارة إلى أحد أهم الظواهر الحضارية وهو “الخط الإحسائي”، الذي كتبوا به لهجتهم الشمالية بخط المسند الجنوبي. وهكذا جمعوا بين الحسنين، مثل عادتهم في الجمع بين الأمور الطيبة.
فشكرا جزيلًا لأهل الأحساء على تميزهم الثقافي، وأدعو الهيئة ممثلة بإدارة الحرف التي يقودها “أبو تميم” الشاب النشط حث الجامعات السعودية على شراء بشوت التخرج من أهالي الإحساء، لعدة أمور: جودة المنتج، ودعم اقتصاد المحافظة وأهلها مباشرة، فالبشوت التي توزع على خريجي الجامعات صناعتها رديئة؛ لذلك لا نجد إلا نادرًا من يحتفظ بها.
وعندي لو اشتركت الهيئة مع صندوق الاستثمار في هذا المشروع لأن الأخير أقدر في تسويق الفكرة على الجهات الحكومية؛ لاستفاد الجميع خصوصًا الأحبة أهالي الأحساء.
وأخيرا الشكر موصول لهيئة الآثار (التراث) في المحافظة على جهودهم، وللأخ الفاضل “جاسر الحربش” وفريقه في الرياض (الدكاترة: عبدالله الزهراني ونايف القنور وعجب العتيبي وضيف الله العتيبي… والبقية كلهم) على الدعوة؛ وشكري الخاص للابن “سامي العبود” فما أجمل أن ترى أحد تلاميذك يقود مهمة ومشروعًا، فكأني أرى نفسي عندما أراه وأمثاله يصارعون الظروف ……. لوضع آثار الوطن على الخارطة بشكل فعلي. كما غمرتني سعادة كبيرة عندما تفضلت فتيات في الشرح عن تاريخ المنطقة وتراثها وأخص منهن: “نور الغنام” في السنة الأخيرة- كلية الطب البشري، وأخرى نسيت أسمها “خريجة الشريعة”، وكم أتمنى أن يجدن الدعم من الهيئة بتوظيفهن في الهيئة، فحماسهن وقناعتهن ومعلوماتهن تجعلهن خير من يمثل الهيئة في الأحساء.
سلمت يداك وصح لسانك علامتنا أ. د. سليمان الذييب مقال ثقافي خفيف نقل لنا ما قام به حماة التراث وتفعيل دوره في الأحساء وجئتها عدة مرات أثناء دراسة حماماتها العامة الاثرية الحضارية وشاهدت بأم عيني كل ما حاء بمقالكم