الرأي , خربشة ومغزى
ديانات فارسية.. ماني والمانوية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
ظهرت المانوية أثناء الحكم الساساني، وفي عهد الملك شابور الأول، وكان ماني بن فاتك، فارسي آري العِرق، ولد عام 216م، وهو من سلالة بارثية نبيلة. ولادته كانت قبل أن يؤسس أردشير بابكان الملكية الساسانية بثماني سنوات. ترعرع ماني في بابل في محيط يهودي مسيحي، وتعلم هناك اللغة الساميّة الاكدية والآرامية التي يتحدثها سكان بابل.
أُعتبر ماني حكيماً فارسيًا، عمل على تأسيس دين عبارة عن توليفة من الزرادشتية واليهودية والمسيحية والبوذية؛ حيث استعار من تلك الأديان
الأفكار الغنوصية، والغنوصية معناها عرفان رباني دون واسطة؛ تهدف لإدراك كُنْه الأسرار الإلهية، وتعتقد كذلك بأن الروح خيرة يواجهها جسد شرير، فالروح تملك المعرفة بينما الجسد مادة فاسدة. تلك الأفكار أثرت في ماني بما فيها ما أخذه وتعلمه من معتقدات هندوسية وبابلية قديمة التي تُعدد الآلهة.
كل تلك الأديان دفعت ماني أن يعمل انتقائية منها لتشكل عقيدته ودعوته. والجدير بالذكر أن ماني أبقى على جميع المبادئ الرئيسية للزرادشتية؛ وهي الإيمان بالرب والشيطان والجنة والنار والحساب الفردي بعد الموت. فلسفة ماني تقوم على أن النور مرتبط بالروح والظلام بالمادة، والخلط بينهما يقود إلى سيطرة الشر على الخير. أوصى ماني بحياة التنسّك والعفة والطعام النباتي.
الملك شابور الأول رحب بالمانية بادئ الأمر، إلا أن الكهنة الزرادشتية استنكروه واعتبروه مهرطقاً ومهددًا لسلطتهم. وهذا أدى بشابور أن ينصحه بالابتعاد، فطبّق ماني ذلك فرحل بعيدًا، فقضى سنوات عديدة في آسيا الوسطى وغرب الصين؛ حيث تبعه كثيرون، وحين مات شابور عام 272م عاد إلى إيران، ورحب به الشاه الجديد هرمز الأول، لكنه سرعان ما وافاه الأجل وحل محله بهرام الأول، الذي يكن كرهاً شديداً لماني وعقيدته لدرجة أنه أمر بموته ميتة مروّعة. ومنذ ذلك الوقت عانى المانويون بعد توزعهم إلى أفريقيا وأوربا أيضا من اضطهاد وقمع الزرادشتية والمسيحيين؛ لأنهم يعتبرون عندهم تهديدًا للسلطة الاستبدادية للدولة والكهانة؛ حيث كانت المانويه جزءاً من الدولة. بعد ذلك ضعفت المانوية واضمحلت وبقيت أثاراها كمعتقد تنسّكي روحي، بل وتشاؤمي مركزًا على العالم الآخر بعدما كان إبِّان عهد الساسانيين دين الدولة الرسمي.